/ صفحه 45/
من سيدها تزول عنها صفة الرق زوالا تاماً وتصبح حرة بمجرد وفاة سيدها، وأن ملكية السيد لها في أثناء حياته ملكية ضعيفة مقيدة، فلا يجوز له أن يبعيها ولا أن يهبها ولا أن يتصرف فيها أي تصرف من شأنه أن يعوّق تحريرها، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام في جاريته مارية القبطية لما ولدت إبراهيم: ((أعتقها ولدها))(1) أي إن مجيئها بولد منه قد أدى إلى عقتها وزوال صفة الرق عنها. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أم الولد لا تباع ولا توهب وهي حرة من جميع المال))(2). ((وأم الولد هو الاسم الذي كان يطلق على الجارية التي تجيء بولد من سيدها)). ويقول عمر رضى الله عنه مُنكِراً على من كانوا يحاولون بيع هؤلاء الجواري: ((أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن تريدون بيعهن؟!))(3)
ويدلنا التاريخ على أن الخلفاء وأولياء الأمور كانوا لا يدخرون وسعاً في السهر على تطبيق هذه القوانين، وأن المسلمين أنفسهم كانوا محافظين على روح دينهم في هذا الصدد كل المحافظة؛ فكان الأسياد يعترفون بمن يجيء لهم من جواريهم من أولاد وقد تحرر بفضل هذا النظام آلاف مؤلفة من الأرقاء والإماء، ويدلنا التاريخ كذلك على أن المسلمين ما كانوا يغرقون بين ابن السيد من جاريته وابنه من زوجته الحرة، وأن كثيرا من أمهات الأولاد قد وصلوا إلى أرقى المناصب في الدولة الإسلامية، بل إن كثيرا من خلفاء بغداد وخلفاء الفاطميين كانوا من ثمرات التسري بملك اليمين.
ومن هذا يتبين أن معاشرة السيد لجاريته كان يؤدي في الإسلام إلى حريتها هي وحرية جميع نسلها إلى يوم القيامة، وأن النتائج الخطيرة التي رتبها الإسلام على هذه المعاشرة وانفرد بها من بين جميع الشرائع التي أقرت الرق، كان من شأنها
*(هوامش)*
(1) انظر بدائع الصنائع للكاساني، الجزء الرابع، ص 124.
(2) المرجع السابق ص 129.
(3) المرجع السابق ص 124.