/ صفحه 428/
لأنه يريدها خطابا للناس جميعا من كل مستوى عقلي، ولا يخص بها تفكيرا معينا دون سواه.
ولعل مما يؤيد ذلك أن القرآن حين يسوق هذه الفكرة في سورة ((المؤمنون)) يسندها إلى قوم من أقوام الرسل السابقين، يصفهم بأنهم الملأ الكافرون من قوم هذا الرسول،أي أصحاب الكثرةو السلطان، ثم يصفهم بأنهم هم المترفون في الحياة الدنيا، ويفهم من قولهم أنهم كانوا دعاةثائرين على الحق، متجردين لدعوتهم، متكلفين للشبه والأباطيل في سبيلها، ولكي يصاحبنا القاريء في فكرتنا نثبت الآيات التي جاءت في هذا الشأن، وذلك قوله تعالى في سورة((المؤمنون)):
((ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين))(1)، فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أفلا تتقون، وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرةو أترفناهم في الحياة الدنيا: ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون، ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون، أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون، هيهات هيهات لما توعدون، إن هي ألا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين. إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين)).
وأفكار المترفين من شأنها أن تسير في اتجاه الهوى والغرض إذا وجهت إليهم دعوة يخشون أن تزيلهم عن مكانتهم، وتعكر عليهم صفو ترفهم وغناهم، والقرآن حرب على هؤلاء المترفين، لأنهم في الحقيقةهم مصدر الجحود والإفساد والالتواء عن الصراط المستقيم ((وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمر ناها تدميرا)). ((وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمةو إنا علىآثارهم مقتدون، قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا إنا لما أرسلتم به كافرون. فانتقمنا منهم
*(هوامش)*
(1) الضمير في قوله "من بعدهم " لقوم نوح، والقرن الآخرون قيل هم قوم عاد، وقيل هم قوم ثمود، ولكن من القولين مايستند إليه استنباطه، ولا يتعلق هنا غرض بتعيين القائلين.