/ صفحه 429/
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين)). ((إنهم كانوا قبل ذلك مترفين، وكانوا يصرّون على الحنث العظيم، وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون، أو آباؤنا الأولون، قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم)).
وقد جاء ذكر هذه الفكرة الفلسفية في سورة الجاثية بين آيات من قبلها وآيات من بعدها، قد حشدت فيها الحجة بعد الحجة على نحو قوي، وأسلوب فرد، وتتبع عجيب، وتلك هي الآيات كاملة:
((أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهمه كالذين آآمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون، وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون)).
ونقف هنا وقفة يسيرة لنقول: إن الرد على هذه الفكرة ذو شقين:
أحدهما أن الله خلق السموات والأرض بالحق أي لا عبثا ولهوا كما تستلزم هذه الفكرة: فكرةأن كل ما في الكون وما يحدث في الكون، فإنما هو من الكون وبه، كما هو فيه - وأنه لا شأن للخالق بالخلق بعد أن خلقه وأودعه عناصره ومادةتفاعله، وفي آيةأخرى: ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون)). وفي آية ثالثة: ((وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين، لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين)) فالمعني: كيف يكون ذلك، وهل هذا إلا العبث واللهو تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
والشق الثاني من الرد إثبات الحكمة من البعث، وهي المجازاة على الأعمال.
وقد قدمت الآية هذين الشقين، وساقتهما بأسلوب العطف المبني بأنهما شقان وناحيتان، حيث قالت: ((وخلق الله السموات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون)).
ونعود بعد ذلك إلى الآيات: ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه فمن يديه من بعد الله، أفلا تذكرون)).