/ صفحه 427/
وإذن فلا حكمة، وبالتالي فلا بعث)).
وهذا اللون من التفكير الفلسفي يختلف تمام الاختلاف عن اللون الأول، فاللون الأول تفكير سلبي بدائي يستطيعه العقل العادي، لأنه لا يكلف جهدا، ولا يستلزم عمقا، أما اللون الثاني فهو تفكير الذين يقابلون الدعوى بإنكار يصاحبه فرض عقلي مخالف، فهو لا يكتفي بمجرد الاستبعاد، ولكن يخرّج أمر الحياة تخريجا آخر حتى ينفي حكمةالبعث، فينتفي أن البعث حقيقةمقصودة، وواقع لا بد منه.
وقد كان من حكمة القرآن أنه لم يترك هذا اللون من التفكير تركا تاما حتى كأنه لم يكن، ولم يكثر في الوقت نفسه من ترديده، ولم يفض في بيان وجهة أصحابه، كما أفاض في وجهة المستبعدين.
بيان ذلك أن الإشارة إلى هذا التفكير لم تجيء إلا في موضعين اثنين، هما الموضعان اللذان ذكرناهما، أحدهما في سورة((المؤمنين))، والآخر في سورة ((الجاثية)) أما قوله تعالى في سورة الأنعام: ((وقالوا إن هي إلا حياتنا الدينا وما نحن بمبعوثين)) فليس من هذا القبيل، وإنما هو من قبيل اللون الأول، فلم تذكر فيه نظريةالحياةو الموت التلقائيين، ولا أن الإهلاك مرجعه إلى الدهر، كما ذكر في الموضعين الآخرين.
وإذن فالقرآن الكريم يذكر هذا اللون الفلسفي مقتصدا فيه، غير حريص على الإكنار من ترديده، بل نستطيع أن نقول إنه يكتفي فيه بالإشارة دون الإفصاح والإيضاح، فما هو السر في ذلك؟
السر في ذلك أن القرآن يخاطب الفطرة في الإنسان، ولا يحب أن يثير على هذه الفطرة غبار الفلسفة، ولا أن يشغلها بتعقل المعاني المتكلفة، فهو يكتفي بالإشارةإلى أصل الفكرة، ثم يهاجمها ويهدمها، وهو حين يهاجم ويهدم لا يقتصد في ذلك ولا يكتفي فيه بأدنى الجهد، ولكن يطيل ويكرر ويحيط الفكرة الباطلة بالحجة من بين يديها ومن خلفها، وتأتي حجته ملائمةللفطرة، سهلةعلى العقول،