/ صفحه 426/
وإذن فليس وجودهم إلا نتيجةحتمية للتفاعل الحيوي، وليس موتهم أيضا إلا نهايةطبيعية لهذا التفاعل، فالعدم سابق للأحياء لاحق لهم بحكم التوالد الذاتي، وإذا كان الله هو الذي خلق العالم، فقد خلقه وأودعه جميع الخواص والعناصر التي صار بها مستقلا متفاعلا ذاتيا.
وينبغى أن يفرق هنا بين الإيمان بالله كخالق، وبين الإيمان به كمصرف مدبر لكل صغيرة وكبيرة لهذا الخلق، فإن من الفلاسفة من يؤمن بالله خالقا ويزعم مع ذلك أنه خلق الأشياء وتركها لمصيرها وتفاعلها الذاتي، وأن أجل كل شيء هو مدى طاقته وصلاحيته للبقاء والتفاعل الحيوى، فإذا بطل هذا من شيء فقد حان حينه، وحق عليه الفناء بمقتضى السنن الكونية الطبيعيةليس إلا.(1)
وهذه النظريةهي التي يشير إليها القرآن في قوله تعالى: ((وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)).
وقد جاء هذا التعبير في آية أخرى مع التصريح بإنكار البعث، وذلك قوله تعالى: ((وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين)).
وربما سأل القاريء عن مراحل الانتقال الفكري في هذه النظرية، وكيف تنتهي إلى إنكار الحكمةمن البعث، وله الحق كل الحق في ذلك، فإنها نظريةقائمة على الخداع والمغالطة ينتقل فيها الفكر هكذا.
((كل ما في الكون إنما هو منه على سبيل التفاعل مع حكم الزمن، وليس هناك مؤثر خارجي)).
ويلزم من ذلك أنه ليس هناك حكمة يمكن أن تتصور للبعث وحشر الناس إلى دار أخرى، لأن تصور الحكمة فرع عن إرادة الفاعل القاصد، وهنا لا فاعل يمكن أن يكون قاصدا)).
*(هوامش)*
(1) وفي هذا شيء من الشبه بالدهريين الذين يرون العالم قديما أزلا، باقيا أبدا، ولكن الدهريين منكرون للاله، لذلك قلنا إن هذه الفكرة لها أصل معرق في التاريخ ولم نقل إنها هي بعينها فكرة الدهريين، كما قد يفهم من ذكر الدهر في قول الآية: "وما يهلكنا إلا الدهر".