/ صفحه 418/
فلا تثبت فيه معجزة من المعجزات بوجه محتمل، ويكون توجيهها على ما لا إعجاز فيه هو الأقرب، وهذا هو شأن قول غير الجمهور في قصة الإسراء والمعراج.
وإذ قد انتهينا من بيان ضعف ذلك التوجيه الذي استمال الناس إلى قول الجمهور في قصة الإسراء والمعراج، فإنا نشرع في بيان التوجيه الجديد لقول غيرهم، ثم نوفق بينه وبين ظاهر سياق القرآن، ونثبت أنه يوافق ظاهر ذلك السياق أيضا، ثم لا يرد عليه مثل ما ورد على التوجيه السابق لقول الجمهور.
فمذهب غير الجمهور في قصة الإسراء والمعراج أنها كانت رؤيا منامية من الله صادقة، ولا شك أن صدق الرؤيا المنامية في تعبيرها، فما هو تعبير الرؤيا المنامية في قصة الإسراء والمعراج؟
وفي الجواب عن هذا السؤال نذكر أن قصة المعراج كانت قبل الهجرة إلى المدينة بسنة، وأن المسلمين كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فكانت الرؤيا المنامية في قصة الإسراء والمعراج رمزاً لحادثين عظيمين يقعان في ختام هذه السنة، وأولهما حادث الهجرة من مكة إلى المدينة، وهي تقع من مكة في ناحية بيت المقدس؛ وثانيهما: حادث تحويل القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس بعد الهجرة إلى المدينة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما هاجر إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس يتألف بذلك أهل المدينة من اليهود، وقيل إن الله أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم، فصلى إليها بعد الهجرة ستة عشر شهرا، وقيل سبعة عشر شهرا، وقد حصلت الهجرة من مكة إلى المدينة ليلاً كما هو معلوم، لتكون إسراء كالإسراء الذي حصل ليلاً في قصة الإسراء والمعراج، ويقع تعبير الرؤيا كما وقت سواء بسواء.
أما رؤيا المعراج فكان فتح السماء فيها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رمزاً لما يحدث له بعد الهجرة إلى المدينة من فتح الأرض له، وظهور دينه على غيره من الأديان، فكان فتح الأرض تعبيراً لرؤيا فتح السماء، وهو تعبير ظاهر كتعبير رؤيا الإسراء، وفي كل من التعبيرين دليل على صدق تلك الرؤيا المنامية، لأن رؤيا