/ صفحه 419/
الأنبياء حق، وهي طريق من طرق الوحي، ولو لم يكن لها تعبير لكانت أضغاث أحلام، لأن أضغات الأحلام لا تعيير لها، وإنما هي تخاليط لا يقع للأنبياء مثلها.
وكذلك الأمر في قوله تعالى فيما سبق: ((وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)) فإنه لا يريد بفتنتهم تكذيبهم لها، وإنما يريد بها ابتلاءهم بتسليط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم بعد الهجرة إلى المدينة، وقد كان في مكة ضعيفا لا يقوى على قتالهم، فلما هاجر إلى المدينة صارت له قوة قاتلهم بها، وكانت فتنة وبلاء صبه الله عليهم، حتى ذلوا بعد عزهم، وشقوا به بعد هنائهم.
وإذا كان لتلك الرؤيا المنامية في قصة الإسراء والمعراج ذلك التعبير فإنها تستحق من الاستعظام بقوله تعالى فيما سبق: ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا))، أكثر مما يستحقه الإسراء والمعراج بالجسد والروح معا كما ذهب إليه الجمهور، وتكون الآيات التي وعد بأن يريها له هي آيات النصر على الأعداء، وما أروع ما كان فيه من آيات، وما أعجب ما كان فيه من معجزات.
فكانت تلك الرؤيا المنامية إنذارا لقريش بما سيقع في تلك السنة من تفلت المسلمين من أيديهم،
وتسليطهم بعد هذا عليهم، وإنذارا لها أيضا بما سيقع من تحويل القبلة عن كعبتهم، وهي مصدر رزقهم وأمنهم وشرفهم، ليتدبروا أمرهم قبل وقوع ما أنذورا به، ولا يكون لهم عذر إذا لم يتدبروا به.
وكان الإسلام قد انتشر بالمدينة قبيل الهجرة، حتى صار للمسلمين فيها قوة يمكن الاعتماد عليها، فهيأ ذلك لتلك الرؤيا المنامية وجعلها تجيء في وقتها، وترمز إلى ما ترمز إليه من ظهور شأن الإسلام بعدها، وقد قوى في ظهوره الرجاء، وصار الأمل فيه قريب التحقيق، وكثيرا ما تكون الرؤيا المناميةوليدة لما يلابسها من الأحوال والظروف، فتجيء متأثرةبها رامزة لما تهييء له.
على أن الامر لم يقتصر في هذه السنة على إنذار قريش بتلك الرؤيا المنامية، بل جاءفي القرآن رمز آخر بتلك الهجرة، وبما سيكون بعدها من ظهور شأن