/ صفحه 417/
بين الناس، لأنهم لم يجدوا لقول غيرهم من حسن التوجيه مثل ما وجدوه لقولهم، وسنقوم بتوجيه ذلك القول بما يجعله أجدر بالقبول من قول الجمهور، ولكن بعد أن نبين ضعف ذلك التوجيه الذي استمال الناس إلى القول المشهور.
فإنه يرد على هذا التوجيه أن قريشا اقترحت على النبي عليه الصلاة والسلام مثل ما رآه الجمهور في الإسراء والمعراج، وهذا في الآيات - 90،91 و92 - من سورة الإسراء: ((وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا)) فاستعظم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقترحوا على الإسراء والمعراج، فإن كان هذا الاقتراح قبل قصة الإسراء والمعراج فإنه يكون فيها استجابة لاقتراحهم، وهو ينافي استعظام مثل هذا على بشر مثله، على أنه كان من الواجب أن يحصل على مشهد منهم كما اقترحوا، لا أن يحصل في غيبتهم ثم يخبروا به، لأنه خلاف ما اقترحوه عليه، وقد جاءت معجزات الأنبياء على وفق ما اقترح عليهم، فليكن شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك كشأنهم.
وإن كان ذلك الاقتراح بعد قصة الإسراء والمعراج فكيف، يستعظمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بشر مثله وقد حصل له في هذه القصة على رأي الجمهور وحينئذ لا يكون استعظامه له مقبولا على رأي الجمهور سوأة أكان قبل قصة الإسراء والمعراج أم كان بعدها.
على أن معجزة كمعجزة الإسراء والمعراج على رأي الجمهور لا يكفي في إثباتها أنها ظاهر سياق القرآن، لأن ظاهر السياق يجوز العدول عنه بقرينة من القرائن، وهنا يتجه القول يأن الإسلام يمتاز على غيره من الأديان بتحفظه واقتصاده في أمر الخوارق، كما يفهم من الآيات السابقة، ومن غيرها مما ورد من الآيات في ذلك،