/ صفحه 399/
والإسلام إذ يحدد غاية الجماعة بعبادة الله وحده، يدفع أفرادها إلى الشعور بالكرامة، والسير في الحياة دون عائق من أوهام الوثنية في أية صورة من صورها. والشعور بالكرامة، والانطلاق في الحياة من قيود الخرافة والشعوذة، واقتحام الصعاب فيها، دون انتظار لوضع خاص لكوكب من الكواكب، كماكانت عادة العرب قبل الإسلام، دون إذن وصى أو سيد، كما هي عادة العبيد والأرقاء، كل هذا مظهر لعبادة الله وحده.
وأصحاب هذا الشعور، وأولئكم الذين انطلقت نفوسهم من قيود الخرافة، والشعوذة، والوثنية في صورها المختلفة- من عبادة الأحجار إلى عبادة الأشخاص - يضيفون إلى قوتهم، كأصحاب سعي وحركة، قوة توجيه ويقظة. وهم، لهذا وذاك، لا بد أن ينجحوا إذا كافحوا، ولا بد أن ينتصروا إذا خاصموا.
ولكى لا يدخل عامل يضعف علاقات هذه الأفراد في الجماعة، فتتجه نظرتهم إلى هذه العلاقات، بعد أن ارتفعت نظرتهم جميعاً إلى الله وحده سبحانه، وكذلك يتجه كفاحهم إلى صلات بعضهم ببعض، بعد أن تركزت فيما وراء أشخاصهم وذواتهم - لأجل هذا أوصى القرآن الكريم بما يحفظ قوة هذه العلاقات، وبما يديم نظرة الأفراد إلى الله، وبما يوجه كفاحهم لصالح أنفسهم، كجماعة تريد السيادة لأجيالها المتتابعة جيلا بعد جيل.
1-أولا: أوصى القرآن باحتفاظ الجماعة بسيادتها. وذلك بألا يكون لأفرادها ولاء لغير بعضهم بعضا، أي يكون للدخيل بينهم طاعة عليهم، ولا يرقى هذا الدخيل في نفوسهم إلى درجة أن تكون له وصاية، أو إلى أن يعدّ مرجعا في إبرام شئونهم. يقول الله تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم)).
فعلل الله سبحانه وتعالى تفضيل ولاية المؤمنين بعضهم على بعض، وبالتالى إبعاد ولاية الأجنبي عليهم - بالاشتراك في خصائص وصفات؛ هي مقومات الجماعة