/ صفحه 398/
هذا نشأ تنشئة خاصة، وذاك نشأ تنشئة مغايرة. فإذا كثر عدد أفراد الناس تعددت وجوه المغايرة بينها، وكثرت ضروب المفارقة والمقابلة.
الجماعة العامة:
وعلى نحو ما أراد الإسلام للإنسان الفرد من وحدة اتجاه في سعيه وسلوكه - أراد للكثرة العديدة من الناس، وهي الجماعة، نفس الغاية ونفس السبيل؛ أراد لها أن تكون أمة واحدة، وأن يكون سعيها لذات الهدف والغاية، وهي أن تكون أمة واحدة. وما شرع باسم المعاملات هو السبيل لتحقيق هذا الهدف.
إن وحدة الجماعة والأمة لا يتوقف - فحسب - على الأسباب التي تحيط بأفرادها بحكم البيئة، أو الموطن، أو إمكانيات العيش، بل لا بد في تحقق وجود أية جماعة، وجودا قويا ظاهرا من وحده الغاية والهدف. لأن وحدة الغاية والهدف هي المركز الذي يتجمع الأفراد حوله، ويتكتلون من أجله، وتشتد الروابط بينهم بسببه، وتصير هذه الروابط إلى أخوة في النفس والروح، بعد التقاء على الفكرة والمبدأ.
والقرآن الكريم، فيما أوصى به من أخلاق للجماعة، لم يوص إلا بعد أن حدد الغاية للجماعة التي يريدها، والتي عمل على تكوينها. ووصاياه هنا بعد ذلك هي وصايا لحفظ توازن هذه الجماعة، وبالتالي لحفظ علاقات الأفراد فيها من التفكك والتلاشي.
والغاية التي حددها القرآن لجماعته هي عبادة الله وحده، يقول الله جل شأنه في كتابه الكريم: ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا))، ويقول: ((قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين))، ويقول: ((ذلكلم الله ربكم، لا إله الا هو، خالق كل شيء، فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل. لاتدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير)). ويقول: ((إن هذه أمتكم واحدة، وأنا ربكم فاعبدون)).