/ صفحه 397/
فإذا تحقق للإنسان اتجاه واحد، كان سلوكه سلوكا متزنا مستقيما، معتدلا. لإنه لا يتأرحج عندئذ بين شيئين متقابلين. لا يلبس اليوم وجها، وغدا وجها آخر، فهو مستقيم إذن. ولا يفعل اليوم هذا، ويفعل نقيضه غدا، فهو متزن إذن. ولا يجنح الآن يمنة، ثم في آونة أخرى يجنح يسرة فهو معتدل إذن. واعتداله، واتزانه، واستقامته، تدل على أنه أصبح واحدا، وبذلك تأثر في حياته بعبادته لله الواحد. وأمارة الاعتدال، والاتزان، والاستقامة في السلوك والتصرف: أن يكون مصداقا لقوله تعالى: ((وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين)).
فإذا سار الإنسان في سلوكه وفق وصايا هذه الآية القرآنية - فإنه لا شك يكون معتدلا، ومتزنا، ومستقيما:
فإذا سعى الإنسان في حياته لأخذ نصيبه من الدنيا - لا لأخذ الدنيا كلها - وفي الوقت نفسه قصد وجه الله فيما حصله من الدنيا، فأحسن إلى غيره كما أحسن الله إليه، ولم يقصد إلى العبث والفساد فيما تفضل الله به عليه، كان معتدلا ومتزنا ومستقيما: لم يتواكل؛ فحصل حظه من نعم الحياة، ولم يغتر ويفرح بما حصله من هذه النعم؛ فلم يتخذ هذه النعم وسيلة للعبث في حياته الخاصة وحياة جماعته العامه؛ لم يرتكب إثما ولا محرما. لم ينتهك عرضا ولا حرمة لغيره عن طريق هذه النعم، ثم مع ذلك لم يحرم من هذه النعم مستحقا آخر فيها؛ لم يحرم ذا قرابة وذا جوار، وذا متربة، وصاحب حاجة - إنه عندئذ متزن في تصرفه، ومعتدل في سلوكه، ومستقيم في اتباعه طريق الله وو صاياه.
2 في المعاملات:
والإنسان مع إنسان آخر، بمثابة الإنسان الفرد المردد بين اتجاهين متقابلين؛ اتجاه النفس المطمئنة واتجاه النفس الأمارة بالسوء. فكذلك الإنسان مع الإنسان. هذا له اتجاه، وذاك له اتخاه آخر. هذا له عادات وآمال، وذاك له عادات وآمال