/ صفحه 396/
وإذن الصلاة عبادة قصد بها أن تكون نفس المصلى نفسا مطمئنة، قصد بها أن يكون الإنسان صاحب اتجاه واحد. وعندئذ تتحقق وحدة الإنسان، ويرتفع فوق التردد بين النفسين.
وجاء الإسلام بالزكاة ليسعى المزكي عن طريق زكاته، كعبادة فيها قربى إلى الله، نحو اتجاه واحد في سلوكه، وهو اتجاه المعطي المانح. وبذلك يكبت الاتجاه الآخر في الإنسان، وهو اتجاه الاستيلاء، والطمع، والجشع. وهنا أيضا تكون الزكاة عبادة لتحصيل وحدة الإنسان، بدلا من توزيعه وتردده، أو بدلا من أن يتردى في ذلك الاتجاه الآخر، الذي يبعده عن السمو والتشبه بالله في منحه وعطائه، وهو التجاه التردي في الطمع والجشع.
وجاء الإسلام بالصوم. والصوم ليس فقط تقريرا لجلال الله وقيمته في الوجود، وليس فقط متضمنا أيضا عدم الحرص على الاستيلاء والأخذ، لأنه يقوم على الإمساك والترك - هو ليس فقط هذا وذاك، وإنما هو كبت لذات الإنسان، وحرمان لهذه الذات، طواعية لامتثال الله. والحرمان فيه أكثر من المنح والعطاء، كما في الزكاة. لأن المانح والمعطى لا يستلزم أن يحرم ذاته، ولكن إذا حرم ذاته تجاوز عندئذ حد المانع المعطي.
وإذن عبادة الصوم فيها امتثال لله، وذلك إقرار بوجوده وبقيمته في الوجود، وفيها أكثر من المنح والاعطاء؛ فيها المقابل للاستيلاء وهو الحرمان.
والاستيلاء أخذ، والحرمان ترك. والصوم لذلك خطوة أخرى في طريق توجيه الإنسان وسعيه نحو وحدة ذاته؛ نحو تحصيل النفس المطمئنة، التي لا تخضع لما عدا السمو، والتشبه بالله.
وجاء الإسلام بالحج. وفي الحج عود بالإنسان إلى حالته الطبيعية، فيه ترك، ومنح معا. فيه ترك للمظاهر الزائدة على الطبيعة الإنسانية، وفيه منح عن طريق الأضحية. وبذلك تصبّ عبادة الحج في نفس الغاية، التي تهدف إليها عبادات: الصلاة، والزكاة، والصوم.