/ صفحه 395/
فإن لم يسع في دائرة العلاقات مع غيره، نحو تقريب هذه العلاقات نحو الوحدة، لم يدرك في سعيه في هذه الدائرة وحدة الله تعالى. وإن سلك سلوكا متضاربا فيها، كان تضاربه في هذا السلوك أمارة على أنه لم يصل إلى ما يقرب من الوحدة في علاقته بغيره.
وإذن هدف العبادات في الإسلام تحصيل الوحدة في ذات الإنسان، وجعل السلوك طبقا لها.
وهدف المعاملات في الإسلام محاولة تقريب العلاقات بين ((الاثنين)) إلى وحدة، وتكوين السلوك وفقا لهذا التقريب.
1 في العبادات:
والإنسان بحكم تكوينه موزع بين أمرين متقابلين. وهو لذلك له اتجاهان في الحياة: أحد هذين الاتجاهين يصدر عن النفس الأمارة بالسوء، والاتجاه الثاني يصدر عن النفس المطمئنة. أما النفس الأمارة بالسوء فهى التي تميل بالإنسان إلى أن يكون صاحب غرض وهوى، وصاحب شهوة خاصة. وأما النفس الأخرى المطمئنة فهي التي تميل بالإنسان إلى أن يكون صاحب ((عدل)) وتوازن، واستقامة.
وجاء الإسلام بالعبادات: جاء بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج كي يكون الإنسان صاحب اتجاه واحد؛ كي يكون صاحب نفس مطمئنة راضية، كي يكون صاحب توازن، وعدل، واستقامة.
جاء الإسلام بالصلاة - وهي أن يتجه الإنسان في خشوع نحو الله ونحو جلاله، وأن يناجي هذا الجلال بقوله: الله أكبر - ليحصل في الإنسان قيمة الوجود كله. وقيمته عندئذ: أن شيئا واحدا فيها كله له العظمة والجلال، وأن ما عداه تضمحل قيمته وتتضاءل فإذا ثبتت هذه القيمة في نفس المصلى كانت نفسه نفسا مطمئنة، لأنه يستعبد من المصلى، بعد أن يدرك هذه القيمة، أن تميل نفسه وتحرضه على تحصيل شيء في الوجود دون الله. وليست النفس الأمارة بالسوء إلا تلك النفس التي تخضع الإنسان إلى غير الله في الوجود، وهي لا تفترق عندئذ عن الشيطان في الهدف والغاية.