/ صفحه 389/
فهم مختلفون - كما ترى - في المرويّ عن تلك القبائل على قلتها. ولخلافهم أثره العملي في استنباط قواعدهم وتدوين أحكامها وتطبيقها على ألسنة المتكلمين وأقلام الكاتبين فكيف الشأن وقد غفلوا عن أكثر القبائل، وأهملوا الأخذ عنها؛ مع مالها من تراث لغوى فياض قد تسلل الكثير منه إلى النحاة، مخالفا في بنيته، أو ضبط حروفه، أو تركيب أساليبه لما اقتصروا عليه؟ ومن ذلك ما رواه الأشموني في باب كان من قوله: ((لا فرق في دخول الباء في خبر ما بين أن تكون حجازية أو تميمية كما اقتضاه إطلاقه وصرح به في غير هذا الكتاب وزعم أبو عليّ أن دخول الباء مخصوص بالحجازية وتبعه على ذلك الزمخشري وهو مردود فقد نقل سيبويه ذلك عن تميم وهو موجود في أشعارهم (كقول الفرزدق: لعمرك ما معن بتارك حقه.)
فلا التفات إلى من منع ذلك)).
* * *
وبديه أن لغات القبائل الست ولهجاتهم لا تحوى جميع اللغات واللهجات في باقي القبائل الكثيرة فذلك ينافي طبيعة اللغة ويعارض القانون الواقعي الذي تسير عليه في نشأتها وتدرجها وتفرعها(1) ومهما تميزت به القبائل الست من القوة والجاه والنفوذ وبسطة الرقعة - في رأي الرواة - فلن تغير من طبيعة الأشياء ولا من الواقع المشاهد.
من هنا ندت كلمات أصيلة، وأساليب كثيرة صحيحة عما جمعه اللغويون. وفاتهم ذخر لغوي وافر؛ بسبب اقتصارهم في جمع اللغة على بعض القبائل دون بعض بل على القليل دون الكثير؛ ومن ثم فات الرعيل أول من النحاة كثير من منابع الأخذ ومراجع الاستنباط كشفت عنهاالأيام بعد ذلك فأثبتت تقصير اللغويين وقصور النحو المؤسس على ما جمعوه، ووقعت بسبب ذلك كله ملاحم واتهامات بين الشعراء (2) والنحاة المؤيدين من رجال اللغة إذ يقع في كلام أولئك ما لا يرضاه

*(هوامش)*
(1) راجع نشأة اللغة وتدرجها في ص 8 من كتاب: بعض الأصول النحوية واللغوية.
(2) كالذي كان بين الفرزدق وبينهم أو بين بشار كذلك أو المتنبي.