/ صفحه 388/
وعظيم فضلهم- قصروا في إتمام الاستعداد والأهبة قبل الشروع في التدوين والتسجيل، وإثبات القواعد فوق صفحات الكتب، فقد كان الاستعداد التام يقتضيهم قبل ذلك التدوين والتسجيل أن يسألوا أنفسهم: من أي المصادر الوثيقة نستنبط قواعدنا؟ ومن أي أنواع الكلام الأصيل ننتزع الأحكام النحوية؟
وقد ساءلوها فعلا قبل الشروع فأجابتهم: ((إنه الكلام العربي الصحيح، وإن علماء اللغة - أثابهم الله - قد سبقوكم إلى مهمة جليلة كريمة كمهمتكم؛ هي جمع ذلك الكلام وتدوينه وتسجيله؛ حفاظا عليه، وصيانية له، وانتفاعا به في شئون الدين والدنيا، فعلكم أن ترجعوا إليه لتنتفعوا به ما سئتم بعد أن يسره لكم أنداد أوفياء مخلصون، وحملوا عنكم في جمعه وتصنيفه، وميز جيده من زائفه - أفدح الأعباء)).
رجعوا إلى أولئك الأنداد، وإلى ما جمعوه؛ فإذا هم أخذوا اللغة من بعض القبائل الكبيرة الضاربة في وسط شبه الجزيرة العربية، مقتصرين في الأخذ على نحو ست(1) من تلك القبائل تاركين ما عداها من باقي القبائل التي تجاوز الثلاثين قبيلة، فاستنبط النحاة قواعدهم مما تجمع من لغات تلك القبائل الست، واقتصروا - أو كادوا - عليها، كمافعلوا أندادهم جامعو اللغة، بل إنهم لم يستطيعوا استيعاب اللغات واللهجات الخاصة بتلك القبائل الست، يدلك على ذلك ما تشهده في مواضع متفرقة من كتب النحو، كالذي سجله ((الهمع))عند الكلام على عمل إن النافية الملحقة بليس، حيث يقول:
تنبيه: ((قال أبو حيان: لم يصرح أحد بأن إعمال ((لا)) عمل ((ليس)) بالنسبة إلى لغة مخصوصة إلا صاحب المقرب ناصر الطرزي فإنه قال فيه: بنو تميم لا يعملونها وغيرهم يعملها، وفي كلام الزمخشري أهل الحجاز يعملونها دون طيء، وفي البسيط القياس عند بني تميم عدم إعمالهاو يحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها)) اهـ
*(هوامش)*
(1) راجع مقدمة: خزانة الأدب الكبرى، وص 128 ج 1 من المزهر الفصل الثاني.