/ صفحه 390/
هؤلاء. يصفونه بالخطاء والخروج عن المأثور المنقول فيدفع الشعراء التهمة بأنها وليدة جهل، أو قصور في المواهب، أو في الاستقصاء ويستنبط النحاة مما تهيأ لهم قاعدة عامه (كتجريد الفعل المسند للظاهر من علامة تثنية أو جمع) فيفاجئون بنصوص عربية تخالف ذلك. ويقررون أن المبتدأ لا يكون نكرة وأن الحال لا يكون معرفة وأن التمييز لا يتقدم على عامله وأن المستثنى بإلا في كلام تام يجب نصبه وأن فاعل نعم وبئس لايكون علما و… و… و… فتدهمهم الأمثلة التي تعارضهم. فماذا يصنعون؟ يلجئون إلى التخلص من هذا الضيق بتأويل تلك الأمثلة، أو وصفها بأنها شاذة، أو نادرة، أو قليلة، أو مخطيء صاحبها … أو ماشاءوا من مثل هذه الأسماء التي أصيبت بما أصيب به النحو عامة من اختلاف في تحديد أحكامه، ومرامي قواعده. ونالها ماناله من تفرق في الرأي؛ واضطراب في الدلالة؛ إذ لم يتفقوا - حتى اليوم - على تعريف هذه الأشياء تعريفا دقيقا وبيان أحكامها في وضوح وضبط فما الكثير؟ وما القليل؟ وما الشاذ؟ وما النادر؟ … وما حدّ كل واحد من هذه الألفاظ وأمثالها؟ ومن هنا صح ما يقال: إن اللغويين أصحاب الفضل الأول على النحويين، وإنهم كذلك أهل الإساءة الأولى للنحو والنحاة. وهؤلاء وهؤلاء قد أحسنوا أيما إحسان إلى العربية والناطقين بها وإن كانوا قد مزجوا إحسانهم بإساءة، وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
وغريب أي غريب أن يغفل جامعوا اللغة عن ذلك، وأن يشركهم في الغفلة النحاة مع ما امتاز به الفريقان من أصالة رأى، وثاقب فكر، وناجح تدبير، ولا يشفع للغويين أن يقال في الدفاع عنهم إنهم اقتصروا على القبائل الست لأنها - في زعمهم - التي صحت ألسنتها من هجنة العجمة، واحتفظت بنفسها ولغتها عن الأجنبي والدخيل ((فلم يأخذوا عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم، فإنه لم يؤخذ: لا من لخم ولا جذام لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وأياد لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة