/ صفحه 386/
والعجب أن تولد تلك الآفات والعلل ساعة يولد النحو، وتعيش في طواياه، وتنمو وتتغلغل في أعماقه خلال عصوره المختلفة من غير أن يعرض لها أمام بالتجميع والحصر ووصف العلاج ومن غير أن يتصدى لها عَلمَ بالبحث الشافي، على كثرة الأئمة الباحثين، ووفرة الأعلام من أهل هذه الصناعة، وفيض الكتب والرسائل التي تتصدى للنحو وقضاياه، ولقد حاولت جهدى أن أهتدى إلى مرجع يعرض لتلك المشكلات مجتمعة، ويستقصى أسبابها واحدة فواحدة - على الرغم من تشابك الكثير منها وتداخل بعضها في بعض- ويتصدى لنتائجها القريبة أو البعيدة، ويقترح الدواء الناجع لها؛ فلم أوفق إلا للقليل ولست أدرى أذلك لقصور مني في السعي، أم لتقصير من النحاة والدارسين؟ ولكن الذي أدريه أني بذلت الجهد، ولم أدخر الوسع، حسبى هذا، وسأحاول في هذه الخواطر العابرة أن أتمم ما نقص وأستدرك ما فات؛ ولكن بالإيجاز واللمح اللذين يفرضهما المقام، فلعلي أوفق، ومن الله العون والسداد.
* * *
1- أول ما يطالع الباحث من ذلك: تعدد الآراء النحوية في المسألة الواحدة، واختلاف الأحكام فيها؛ حتى ليستطيع أن يرى الرأي فيقول وهو آمن: إنّ هناك رأيا آخر يناقضه من غير أن يكلف نفسه مشقة الاطلاع، والجري وراء النقيض، ذلك أنه يعلم من طول ممارسة النحو والنظر في قواعده أن الواحدة منها لاتخلو من رأيين أو آراء متعارضة؛ حتى أولياته، وما يجري من مسائلة مجرى البدائة العلمية، وإن المطلع على كتاب كهمع الهوامع، أو الأشموني وحاشيته؛ ليهوله ما يرى من تشعب الآراء وكثرتها وتنافرها حتى فيما لا تحتاج إلى تعدد؛ فتقسيم الكلمة إلى اسم، وفعل، وحرف، وتقسيم كل إلى أنواعه، وتعريف كل نوع، وتمييزه مما عداه، وأحكام الفاعل، والمبتدأ، والنواسخ، وإعراب الأسماء الخمسة بالحروف، وكذلك المثنى، والجمع بنوعيه، وما سمى بهما، والمستثنى، والمنادي، والمتعدي، واللازم، والمرفوع من الأسماء والمنصوب، والمجرور، وأحكام تقدّم العامل على