/ صفحه 353/
صراطي مستقيما، فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)) وشرع الله ودينه وحدة قائمة في الوجود، متميزةبذاتها. وحكمها وأسرارها، واضحة جلية، تتلقاها العقول عن الطبيعةالبريئة من ظلمات المادة، ومن تقاليد الأهواء، وتتلقاها عن الوحي في الرسالات والكتب. ظاهرة ليست بخافية، بارزة ليست بمستترة، وبذلك أخذت حكم المحس المشاهد، وقيل فيها: ((وأن هذا صراطي مستقيما)) والصراط المستقيم معناه: الطريق الذي لا التواء فيه ولا انحراف، المعبّد لسالكه، وهو أقرب ما يصل به الإنسان إلى مقصده دون بطء أو تعويق،و لما كان شرع الله في الوصول إلى غايته بهذه المثابة، أطلق عليه: ((الصراط المستقيم)) والصراط المستقيم ورد كثيرا في القرآن، عنوانا على شرع الله ودينه،و أضيف تارة إلى الله كما في هذه الآية، وكما في قوله: ((وهذا صراط ربك مستقيما)) وأضيف أخرى إلى الذين التزموه وساروا على مقتضاه، حتى نعموا بفضله ومزاياه،و خلد ذكرهم في الآخرين: ((صراط الذين الذين أنعمت عليهم)).
وقد طلب الله من الناس أن يتبعوه، واتباعه ((التزام أحكامه والعمل بما فيه)) وهو ((الاستقامة)) التي أمر الله بها عباده، وأمر بها على وجه خاص نبيه: ((فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)) وهو يشمل: العقيدة، والخلق، والعمل، وكما طلب اتباعه، نهى عن اتباع ماعداه، وفي التعبير عنه بضمير الواحد، والتعبير عما سواه بالجمع، إيحاء إلى أن الحق واحد لا تعدد فيه، أما الباطل فذو صور شتى وأنحاء متعددة؛فالحق منبعه الواقع، ومصدره الله، والباطل منابعه النفوس، ومصادره الأهواء والشهوات، يأتي من الأهواء تحت ضغط السلطان، وتحت ضغط العصبيات، وتحت ضغط الحسيات، وضغط الجاه، وضغط الطغيان، وما إلى ذلك، وقد كان المسلمون وحدة في العقيدة، والخلق، والمعاملة، والسلطان، والعدل، والمكانة. يوم أن كان صراطهم نابعا من الواقع، ومرسوما من السماء، فلما غيروا وبدلوا، غير الله عليهم وبدل، فتعددوا، وتنافسوا، وتكاثروا، وهبطت عزتهم، وتحطمت شوكتهم، وصاروا كما قال الرسول: غثاء كغثاء السيل، ولا حول ولا قوةإلا بالله.