/ صفحه 35/
هذا هو أخلاص الإسلام، وهو الأساس الأول للفضائل الإسلامية وهو نقطة الأبتداء في الخط المستقيم الذي يكون سبيل الهداية، وسبيل الوصول، وإن النفس إذا اتجهت مخلصة ذلك الاتجاه المستقيم أشرق القلب بنور الحكمة، فاستنارت البصيرة؛ استقام التكفير، لأنه لا يفسد الفكر، ويضل العقل إلا الانحراف النفسي عن الغاية بأن تتأشب المقصد ادران الهوى، والطبائع الأرضية، وفي بعض الاثار أن العبد إذا أخلص أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه، وقد نسبه بعض العلماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وسواء أصحت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لم تصح فهو في ذاته حكمة خلقية تصور أثر الإخلاص في إشراق النفس وسمو إدراكها إذا اتجهت إلى الأشياء اتجاها مستقيما.
وإذا كانت الفضيلة تنبع بإخلاص النفس فالرذيلة تنبع من انحراف النفس عن الإخلاص وتأثرها في أحكامها بالأهواء والشهوات، والاتجاه بها في أعمالها إلى ما ينافي خلوصها لذات الله ولذات الحق، فابتداء الفضيلة والرذيلة من القلب، فهو نقطة الابتداء، كما هو في صلاحه وفساده موضع الانتهاء، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((التقوى ههنا - ويشير إلى القلب)). ولقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، وأطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)).
وإن جعل أساس الاستقامة هو الإخلاص يشير إلى أن الإسلام يتجه إلى تقوية سلطان الوجدان، وتقوية سلطان الضمير يترتب عليه أن يحسن الشخص تقدير الأمور. فإن ضلال الفكر دائماً إنما يكون من تحكم الأهواء والشهوات، وسيطرتها من حيث لا يشعر، فإذا تعود تجريد نفسه منها عندما يقدم على عمل من الأعمال، فقد تعود قدع أهوائه وشهواته؛ ولقد نعى سبحانه وتعالى على من يجعلون أهواءهم تتحكم في تفكيرهم ومناهجهم، ووصفهم بأنهم اتخذوا إلههم هواهم؛ فهم لا ينفذون إلى أمر إلا وقلوبهم وأعمالهم ومشاعرهم مغطاة بطبقة