/ صفحه 34/
وأما الأمور الإيجابية، فهي أن يقصد وجه الله لا يريد غيره، ويطلب الحق لذات الحق لا ينحرف عن طلبه، ويقصد إلى الحقائق قصداً مجرداً لا يبغي إلا أسمى صورها.
وإن الإخلاص هو دعامة الايمان أيضاً، والمبدأ الذي يكون فيه الاتجاه المستقيم في أوله، ولذلك دعا إليه الإسلام، واعتبره الخاصة الأولى للإيمان الحق، ولذا قال تعالى: ((إن الدين عند الله الإسلام)) أي إن الإخلاص والإذعان لما تجيء به البينات هو حقيقة الدين المشتركة بين كل الأديان السماوية، وقال تعالى: ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)) ولقد صرح سبحانه بأن الإخلاص هو لب التدين، فقال تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)) وقال تعالى: ((ألا لله الدين الخالص)) وخص المخلصين بأنهم أهل الحظوة فقال سبحانه: ((إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله)).
والأحاديث كثيرة في أن الإخلاص هو أساس الحكم على الفعل بأنه خير أو شر، وأنه أساس الفضيلة والرذيلة، ولذا قال (عليه السلام): ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته لله ولرسوله فهجرته لله ولرسوله؛ ومن كانت هجرته لامرأة ينكحها أو لدنيا يصيبها فهجرته لما هاجر إليه)).
وإن أبلغ الإخلاص ان يخضع الشخص نفسه لما أراد الله وما أراد الحق، بحيث يكون طلب الحق شهوته وهواه، فيُد°غِمَ أهواءه وشهواته في طاعته سبحانه وفي سبيل الفضيلة، ولذا قال (عليه السلام) ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)) وإن الإخلاص ليستولي على قلب المؤمن، فيحس بسلطان الله على قلبه في كل ما يصنع فيكون سمعه الذي يسمع به، وعينه التي يبصر بها، ويده التي يبطش بها، ويكون كل ما يفعل لله تعالى.
ولقد قال (عليه السلام): ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشىء لا يحبه إلا لله)) وتلك الحال هي غاية الإيمان. وهي كمال الأخلاق، وهي أعلى درجات السمو الإنساني، ومن بلغ هذه المرتبة فإنه يعلو عن سفسفاف الأمور ويتجه إلى معاليها.