/ صفحه 316/
فاستعمل لفظ ((كتب عليكم)) ليشعروا بأن هذا أمر لا مناص منه، فهو ثابت متقرر ثبوت ما هو مكتوب مسجَّل.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ((كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت - إن ترك خيراً- الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)) فإن الشأن المعهود في الناس أن صاحب المال الذي يتركه ليورث عنه؛ إنما يتركه لأولاده، فهم أحب من يخلفه إلى قلبه بحكم الطبيعة البشرية والعاطفة الوالدية، أما الوالدان والأقربون فهم وإن كانوا ذوي صلة به وارتباط وثيق؛ لكنهم لا يصلون إلى هذه الدرجة في قلبه، ولذلك نرى الناس يحبون أن يكون لهم أبناء وبنات يرثون أموالهم من بعدهم، ومن لم يكن له أولاد يرثونه يشعر بشيء كبير من الحسرة والألم ولو كان له من والديه وإخوته من يرثونه، فالو راث المحبوبون بحكم الفطرة والطبييعة الإنسانية، هم الأولاد، ولهذا كان من المناسب لمقتضى الحال في تشريع الوصية للوالدين والأقربين، أن يعبر عن هذه الفريضة بما يدل على شدة التمسك بها، والرغبة فيها، فقال عز شأنه: ((كتب عليكم)).
وقل مثل ذلك في قوله تعالى: ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص)).
فإن تشريع القصاص في النفوس، وفي الأطراف والجروح أمر يعتبر - عند بعض المشتغلين بالفلسفة التشريعية - صعبا أو غير ظاهر الحكمة، فهناك فكرة تقول: إن القصاص يفقد المجتمع نفسا أخرى زيادة على ما فقده من النفس الأولى، وقد غفلوا أو تغافلوا عن السر الذي فهمه العرب من قديم، من أن القتل أنفى للقتل، والذي عبر عنه القرآن أدق تعبير حيث يقول: ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)) فالقصاص وإن كان في الظاهر إضافة قتيل إلى قتيل، لكنه سيكون سببا في تقليل عدد المجترئين على هذه الجريمة، فإن المرء إذا علم أنه إذا قتل قتل؛ أحجم عن القتل فتحيا بذلك نفوس كثيرة، فهو تشريع يجمع بين العدل في أخذ الجاني بجنايته، ووقاية المجتمع من آلاف الجرائم المشابهة، ومثل ذلك يقال في