/ صفحه 315/
ومقت للتحول عنه، وأي مؤمن يرضى بأن يرتد عن دينه، ويموت وهو كافر، وتتحبط أعماله في الدنيا والآخرة، ويكون من أصحاب النار الخالدين فيها؟ لا شك أن هذه أخطار تهدد المؤمنين في أعز شيء لديهم، وأن كل شيء يهون في سبيل درئها والتوقي منها، وبذلك تهيأت نفوس القوم لتقبل هذا التشريع، وسلت من قلوبهم وساوس التحرج والتأثم التي كانت تستولي عليها.
وجاءت بعد ذلك الآيات الأخرى تقرر المباديء الصالحة في هذا الشأن فتقول: ((وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل)) ((وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله)) ((الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)).
3 ومن أبرز الأمثلة في هذا ما أحاط به القرآن الكريم تشريع الصوم من مبررات، وبيان للحكم والغايات، ومدافعة لما يرد على النفوس من استشعار صعوبته، ومناشدة بوصف الإيمان في شأنه.
ذلك أن الآيات التي شرع بها الصيام تبدأ بنداء المؤمنين فتقول: ((يأيها الذين آمنوا)) وهو أسلوب من أساليب القرآن يستعمل كثيرا في التشريع، فينادى الله عباده المؤمنين بأحب وصف إليه وإليهم، ويناشدهم بأكرم صلة بينه وبينهم، فكأنه يقول: استمعوا إلىّ أيها العباد الذين آمنتم بي، وعاهدتموني بمقتضى هذا الإيمان على تقبل أحكامي، والنزول على أمري ونهيي، ولا شك أن المؤمن حين يفكر في هذا المعنى يحصل له نوع من التقبل والاستعداد النفسي لتلقي التشريع.
ثم يقول الله تعالى بعد هذا النداء المحبب للمؤمنين: ((كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)) فيبن من أول الأمر أنها فريضة مكتوبة.
واستعمال مادة الكتابة في التعبير عن الفرض أو الإيجاب يأتي في القرآن حين يكون الأمر الذي أوجبه الله على عباده فيه لون من ألوان التضحية فوق المألوف. فمن ذلك قوله تعالى: ((كتب عليكم القتال وهو كره لكم)) فإن النفوس من عادتها أن تنفر من القتال، وتستصعب التضحية بالنفس، وتعريضها للموت،