/ صفحه 317/
شأن القصاص من الأطراف والجروح، فهم يقولون: تصوروا مجتمعا يقضى فيه بأن تفقاً عين إنسان لأنه فقأ عين آخر، أو تصلم أذنه لأنه صلم أذن آخر، فأية وحشية قضائية هذه، وكم من حوادث الشجار اليومية في كل بيئة يفصل فيها على هذا النحو؟!
والواقع أن هؤلاء يغفلون أو يتغافلون عن المعنى الذي يحققه تقرر العقوبة على هذا النحو، فإنها أو لا خاصة بالعمد، أما الخطأ فلا قصاص فيه، ثم هي إذا تقررت ونفذت وعرف الناس أنه لا مناص منها. فإنهم يحتاطون كثيرا، وكل إنسان يحافظ على ألا يقع منه اعتداء تكون نتيجته أن يقتص منه، فهى عقوبات تؤدي إلى الزجر، وتخفيف المعتدين، وهي في الحقيقة لا تنفذ إلا فيمن يأتي معتديا قاصدا، فيفقا عين إنسان، أو يصلم أذنه، أو يكّسر سنّه، وغالباً يكون المعتدى بهذا الأسلوب لصا أو مجرما خطيرا، فيجب أن يأخذه المجتمع بالشدة. وألا تأخذه فيه رحمة، لينقطع دابر الجريمة، ويبرأ المجتمع من داء قد يستفحل ويعظم ضرره.
لهذا كان من حكمة القرآن أن يكون هذا القصاص حتما لا تهاون فيه، فجاء التعبير عنه بلفظ الكتابة، لئلا يكون هناك مجال للترخص أو التسامح في تطبيقه، فقال تعالى: ((وكتبنا عليهم)) وقال: ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) وقال: ((يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)) ولما عرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حادثة فيها اعتداء عن قصد بكسر سن؛ تمسك عليه الصلاة والسلام بالقصاص من المعتدى، فجعلوا يراجعونه، وجعل يقول: كتاب الله، القصاص!
ونعود بعد هذا الاستطراد الموضح، إلى آية تشريع الصوم، وما تضمنته من مبررات وبيان لحمة هذا التشريع، فنقول:
أشارت الآية إلى أن هذا التشريع ليس جديدا، فإن الله كتبه الله على السابقين من قبلنا كما كتبه علينا، ولا شك أن هذا من شأنه أن يؤنس النفوس ويبسطها إلى تقبله، فإن الناس حين يعلمون أن هذا مقرر من قديم، يسهل عليهم قبوله، ويعلمون أنه قد نفذ وطبق من قبل، فلا مجال للتردد في شأنه.