/ صفحه 307/
فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراطي مستقيم)) ولو لا أن الله تعالى أراد بهم خيرا لارتدوا بتلك السعايات اليهودية الماكرة على أعقابهم.
وكان اليهود ينقضون بهذا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة، وهو يطاولهم ويصبر عليهم، لعلهم يرون في حلمه وصفحه ما يردهم إلى صوابهم، ويجعلهم يعرفون أن المسلمين يريدون حقيقة أن يعيشوا معهم إخوة في هذا الوطن، لهم فيه ما لهم، وعليهم ما عليهم، ولا خطر في هذا عليهم إذا آثروا هذه الأخوة الوطنية على ما جبلوا عليه من أثرتهم وحبهم لأنفسهم، ليعيشوا جميعا إخوة متساوين في هذا الوطن.
وقد أشار الله تعالى إلى تكرر نقضهم لعهدهم بالآيات (55-58) من سورة الأنفال: ((إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لايؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لايتقون، فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون، وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)) وما أعظم ما يشير إليه إطلاق كلمة الدواب عليهم، لأنهم غفلوا عن الغاية الإنسانية النبيلة التي يريد الإسلام أن يصل بهم إليها، ليتركوا ما جبلوا عليه من الصفات البهيمية من حب الأثرة ونحوها، ويرضوا بأن يعيشوا مع المسلمين إخوة في الوطنية، وإن اختلفت فيها أديانهم.
ولم يزل بهم ذلك حتى أوقعهم في حرب مع المسلمين، وهنا ظهروا على حقيقة أمرهم، وظهر أنه لاوزن لإيمانهم بدينهم عندهم، فحالفوا المشركين من العرب على المسلمين، ولو كانوا يؤمنون حقيقة بدينهم ما حالفوهم عليهم، بل إنهم تغالوا في ذلك حتى حكموا بأن هؤلاء المشركين أهدى من المسلمين، ليستعدوهم بهذا عليهم، ويحسنوا لهم البقاء على شركهم، ولايدرون أنهم بهذا قد آمنوا بالجبت والطاغوت معهم، وخالفوا التوحيد الذي جاء به دينهم.
وكان هذا حين سار كعب بن الأشرف وسبعون راكبا من اليهود إلى مكة بعد