/ صفحه 308/
وقعة أحد، ليحالفوا قريشا على النبي صلى الله عليه وسلم، وينقضوا العهد الذي بينه وبينهم، وكانت قريش قد انتصرت في أحد، فرأوا أن يحالفوها ليوجهوا معها ضربة للمسلمين أقوى مما أصابهم في هذه الوقعة، لعلهم يقضون بهذا على ذلك الدين الجديد الذي رأوه خطرا على أطماعهم التي لم يكن يعلم إلا الله مداها في هذا الوطن العربي، فنزل كعب بن الأشرف على أبي سفيان فأحسن مثواه، ونزل باقي اليهود على قريش في دورهم، فأحسنوا مثواهم أيضا، وقد أعماهم الجهل عن أطماعهم السيئة في بلادهم.
فلما عرضوا عليهم أن يحالفوهم قالوا لهم: أنتم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا إلى هذين الصنمين - لصنمين من أصنامهم - فسجدوا لهما، ثم قال كعب بن الأشرف لهم: ليجيء منكم ثلاثون رجلا ومنا ثلاثون، فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب هذا البيت لنجهدن على قتال محمد، فجاء ثلاثون من قريش وثلاثون من اليهود ففعلوا ذلك، ثم قال أبو سفيان لكعب بن الأشرف: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى سبيلا: نحن أم محمد؟ فقال كعب: اعرض عليّ دينكم، فقال أبوسفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقرى الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم، ودين محمد الحديث. فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد، ولا شك أن كعبا كان يعلم أن دينهم القديم هو دين الشرك، وأن ذلك الدين الحديث هو دين التوحيد، ولا يمكن أن يحكم يهودي مخلص لدينه بما حكم به بين شرك قريش وتوحيد الإسلام، والتوحيد هو التوحيد في كل دين، والشرك هو الشرك في نظر كل موحد.
وفي هذا الذي فعله كعب بن الأشرف وأصحابه من اليهود حين أرادوا مخالفة قريش على المسلمين نزل قوله تعالى في الآيتين - 51، 52 - من سورة النساء:
((ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين