/ صفحه 306/
نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.
فقال: قد اجتماع ملأ قيلة بهذه البلاد(1)، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.
ثم أمر فتى شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس، وهو يوم يطول ذكره، وليس هنا بيان أمره.
ففعل ذلك الشاب اليهودي ما أمره به شاس بن قيس، فما إن ذكرهم بأيام حروبهم حتى تكلموا فيها وتنازعوا وتفاخروا، واشتد التنازع والتفاخر بينهم، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه، إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة، - الحرة- السلاح السلاح. فخرجوا إليها يريدون القتال، وكاد يتم لشاس ابن قيس ما أراد من الإفساد بينهم.
ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بادر إليهم حين بلغه أمرهم، فأدركهم قبل أن يقتتلوا، وقال لهم: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم.
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شاس بن قيس، وفي شأنه نزل قوله تعالى في الآيتين - 100، 101 - من سورة آل عمران: ((يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا
*(هوامش)*
(1) قيلة: أم الأوس والخزرج.