/ صفحه 305/
من المسلمين واليهود، سوى فيها بين الطائفتين في الحقوق المدنية، وجعل فيها لليهود مثل ما للمسلمين وعليهم مثل ما عليهم، فكانت المدينة وطنا لهم جميعا، ولم يكن يفرق فيها بينهم اختلافهم في الدين، لأن الإسلام يرى أن الدين لله والوطن للجميع، وقد سبق إلى هذا قبل أن يعرفه أحد في القديم والحديث.
ولكن أولئك اليهود لم يفقهوا هذا المقصد العظيم الذي يريد الإسلام تحقيقه بينهم وبين المسلمين، فيضرب به مثلا للعالم البشري يسير على منواله فيما بين شعوبه من اختلاف في الأديان، لتكون وسيلة تعارف بينها، لا سبب تدابر وتناكر، فلم يلبثوا أن حقدوا على المسلمين من العرب وحدتهم وتآلفهم بعد تدابرهم وتقاطعهم، ورأوا في هذا خطرا عليهم، لأنهم كانوا يعيشون بين العرب في عزلة عنهم، ويرون في أنفسهم أنهم شعب الله المختار، وأنه ليس للعرب حقوق تراعى عندهم، كما قال تعالى في الآية - 75- من سورة آل عمران حكاية عنهم: ((ليس علينا في الأميين سبيل)) والأميون هم العرب، فلما رأوا نهضتهم بالإسلام أيقنوا أنهم سيعرفون بعدها ما لهم من حقوق، فلا يمكنهم استغلالهم، واستنزاف ثروتهم بالربا الفاحش وغيره من وسائلهم، فأخذوا يعملون على تفريق وحدتهم، حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام من تقاطع وتدابر، بل إلى ما كانوا عليه من الشرك بالله وعدم الإيمان باليوم الآخر، مع أن دينهم قائم على أساس هذين الأصلين، ولو كانوا يؤمنون حق الإيمان بهما ما ساءهم اجتماع العرب عليهما، وما عملوا على صرفهم عنهما، وقد أشار القرآن الكريم إلى وقوع هذا منهم في كثير من آياته، ومن هذا قوله في الآية - 109- من سورة البقرة: ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)) وهم يهود المدينة الدين وردت أوائل هذه السورة فيهم.
وممن عمل على هذه التفرقة بين المسلمين شاس بن قيس اليهودي، وكان شيخا قد عسا(1)، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر على
*(هوامش)*
(1) اشتد وقوى في كفره فصعب إخراجه عنه.