/ صفحه 302/
1 فمحدودية الإنسان إذن عيب في الفلسفة والقانون.
2 وصنعة الإنسان في الفلسفة والقانون أيضا، سبيل إلى عدم العصمة، وعدم العصمة سبيل إلى التراخي في التبعية والطاعة.
والنتيجة أن قوة الفلسفة ليست في ذاتها، بل في تكرار الدعوة إليها.
وقوة القانون ليست في ذاته، وإنما في السلطة القائمة على تنفيذه.
* * *
أما الدين فقد خلا من هذين العيبين، فالله بعيد عن المحدودية، وبعيد عن الخطأ. فقيمة الدين إذن، بالنسبة إلى الفلسفة والقانون، قيمة ذاتيه.
ويوم يستحيل الدين إلى فلسفة أو قانون، فهناك إمكان لعودته إلى دين مجرد عن الفلسفة والقانون، طالما مصدره الأصيل مصون عن التحريف والتبديل. وعندئذ تبقى له قيمته الذاتية، كدين. ومعنى ذلك أن الخطر الذي يلحق الدين بصنعة الإنسان، يمكن أن يبعد عنه، بإبعاد تلك الصنعة عن أن تأخذ قداسته، وعصمة أصوله.
وهناك شيء آخر، وراء عصمة الوحي في الدين، ووراء عدم محدودية الله في رسالته للبشر، مما يتميز به الدين عن الفلسفة والقانون.
هناك في الدين أيضاً ضمير الإنسان الذي ينشأ عن الخشية من الله، وهو مثابة السلطة التنفيذية للقانون ولكنها سلطة تنفيذية ذاتية؛ وليست خارجة عن ذات الإنسان صاحب الضمير الديني.
أما المتبع للقانون فإنه يتبعه لسلطان الدولة المشرفة على تنفيده. وعندئذ إذا خفت رقابة الدولة زال أثر القانون، وانكمش وجوده بالتالي. وهنا في دائرة القانون يحتاج الأمر إلى شيئين معا: إلى نص القانون، والسلطة التنفيذية، بينما في دائرة الدين يتوقف الأمر كله على الإنسان المعتقد وحده.
أما الفلسفة، فلأنها لا تصحب برقابة خارجية، ولا تكون ضميرا أو رقابة داخلية. فشأنها في الحياة العملية أهون من القانون وأخف. ومن ثم تكون أشد وهنا في مواجهه الدين.