/ صفحه 299/
فبمقدار ما يتدفع الأول إلى تحصيل متع هذه الحياة، التي يراها متعا من زاوية وجوده الشخصي، بمقدار ما يقف الثاني موقفا سلبيا من هذه المتع. والإنسان الأول هو الإنسان الشخصي أو الوجودي، والثاني هو الزاهد البرهمي (أو صوفي).
وبينما نجد بين الفلاسفة أيضا من يحدد الخير، بأنه ما أصابت منفعته أكبر عدد ممكن من الناس، وهو الفيلسوف المثالي، إذا بنا نجد فيلسوفا آخر يحدد الخير، بأنه: ما أصابت منفعته الجماعة الخاصة به أو بأمته، وهو الفيلسوف الواقعي.
نجد من بين الفلاسفة من يرى أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن توقف تحصيل المنفعة على الوشاية والمؤامرة، أو على القتل جزافا وجملة، أو انتهاك العرض، فالوسيله مشروعة: فحرب الإبادة في الجزائر مثلا مشروع في نظر المستعمر الفرنسي لأنه سيوصل إلى تمكين استعماره هناك من استغلال ثروة البلاد الجزائرية الاقتصادية والبشرية. فتمكن الاستعمار غاية، وهي غاية مشروعة لمصالح الاستعمار الفرنسي، فالوسيلة لهذا التمكن الاستعماري مشروعة كذلك بالتالي. وتأخذ مشروعيتها من النفع المترقب. إذ نجد مثل هذا الميكيافيللي، نجد فيلسوفا آخر ينصح بعمل الواجب لذات الواجب، بعمل ما يجب على الإنسان لصالح نفسه وصالح جماعته وصالح الإنسانية، دون ترقب جزاء عليه، ودون ترقب ثناء أدبي أو مكافأة مادية، وهذا هو الفيلسوف الواجبي.
نرى من الفلاسفة من ينصح بإفناء الفرد في الجماعة فتكبت حرية الفرد، ويصادر ملكه، ويجبر علي تصرفه لصالح الجماعة التي هي الأمة. فالحياة إذن للجماعة لا للأفراد. ثم نرى في مقابل هذا فيلسوفا آخر يرى أن الجماعة يجب أن تكون في خدمة الفرد، وأن تعمل في سبيل سعادة الفرد. فللفرد حريته في التجارة، وفي الاقتناء، وفي إبداء الرأي، وفي العقيدة، وفي التمذهب بالمذهب الذي يراه في حياته. له أن يعيش في ظل عرف المجتمع وعاداته وله أن يخرج عن هذا العرف، وهذه العادات، وسيان، بعد ذلك، فقر غيره، أو شقوته، أو جرح عواطفه، وإحساساته. والرأي الأول يعرف بالمذهب الاجتماعي أو الاشتراكي، والثاني يعرف بمذهب الحرية الفردية.