/ صفحه 297/
العام. وخصائص الدين أو طابعه العام إنه موحى به من الله، وأن على الإنسان أن يؤمن به، وأن يطيعه في غير تردد، وفي غير شك. عليه أن يرضى به رضاء نفسيا، وإن لم يدرك كل أسراره وعلله، لأنه من الله الذي يختلف عن الإنسان، وفوق الإنسان. هو من صاحب الأمر، وصاحب الرعاية العامة، والذي لايستطيع الإنسان أن يحدده ويدرك حقيقة ذاته عند ما يتصوره.
والفلسفة قد تصبح عقيدة، وقد يصبح القانون عقيدة أيضا، ولكن إذا أصبحت الفلسفة أو القانون عقيدة، فإنه لايصير إلى طبيعة الدين السابقة، وإنما يصير إلى طبيعة ((التقليد)) أو ((العرف)) في الجماعة. لا يصير أحدهما إلى طبيعة الدين، لأنه صنعة الإنسان. وسيبقى كونه من فعل البشر مصاحبا له في صيرورته. وإنما يصير فقط إلى طبيعة التقليد، أو طبيعة العرف في الجماعة من حيث إنه واجب الاتباع. فقد أصبح عندئذ من المتوارث والمألوف في الجماعة.
وإذن هناك فرق جوهري بين الدين من جانب، والفلسفة والقانون من جانب آخر. هناك في جانب الدين كونه من الله، وهنا في جانب الفلسفة أو القانون كون كل واحد منهما من الإنسان. وإذا طلب الدين من الإنسان أن يفعل الخير، وناشدت الفلسفة، أو هدف القانون في تطبيقه إلى الخير في فعل الإنسان، فالفرق مع ذلك باق بين الدين من جانب، وبين الفلسفة والقانون من جانب آخر، إذ مطلوب الدين وهو فعل الخير قائم على أنه من هداية الله، بينما مطلوب الفلسفة أو القانون يرجع إلى أنه من تأمل الإنسان.
وهنا تنحصر الموازنة بين الله والإنسان في تحديد الخبر، ورسم طريقه، وتحديد الجزاء الذي يناط بفعله أو تركه: والله باعتبار أنه رب الجميع، ومستغن عن الجميع، ومستعل على الجميع- يحدد الخير بما فيه مصلحة الجميع، ويرسم طريقه، بما يكون ميسرا للجميع، ويحدد الجزاء على فعله وتركه، بما يناسب أثر هذا الخير في صالح الناس جميعا، ويلتئم مع طبيعة أنفسهم الغالبة.
وليس لله غرض، وليست له حاجة قريبة أو بعيدة في تحديد الخير الذي ينصح