/ صفحه 296/
أما غاية كل واحد من الثلاثة فلا تكاد تختلف عن غاية الآخر: فالدين يهدف إلى توضيح الطريق الذي يرى فيه سلامة البشرية في التعايش معا. والفلسفة تحاول ذلك، والقانون بدوره يقوم على حفظ الحال التي تراها الجماعة الخاصة، أو المجموعة الدولية، كفيلة بصيانة التعايش المشترك، والتعاون المثمر.
ولكن مصدر من هذه المصادر التوجيهية نفر خصص وقته وحياته لتوضيح القيمة الذاتية للمصدر الذي ينتسب إليه، على اعتبار أنه وحده كفيل بالتوجيه السليم، وبتحقيق الغاية المرجوة في حياة الجماعة الإنسانية: للدين طائفة تبين مزاياه، وللفلسفة طائفة توضح مزاياها، وللقانون طائفة تحرص على بيان مزاياه في التوجيه العام.
الدين قد يصبح فلسفة، وقد يصبح قانونا وتشريعا:
الدين قد يصبح فلسفة إذا حاول العقل الإنساني أن يبرر ويعلل مبادئه من الوجهة النظرية العقلية. فليست الفلسفة إلا التعليل العقلي للموجود. فإذا علل الموجود من مباديء الدين، فقد دخلت هذه المباديء في نطاق العمل الفلسفي.
وقد يصبح الدين أيضا قانونا إذا أخذ في تطبيق مبادءه على أحداث الحياة، وسلوك الإنسان، ووصفت الأحداث، أو وصف السلوك الإنساني بأنه يطابق تلك المباديء. وعند ما يؤخذ في تطبيق مباديء الدين على أحداث الحياة وسلوك الإنسان، لايكتفى في التطبيق بحكم مجرد عن التعليل. بل لا بد من التفقه، وشرح المباديء نفسها، ثم شرح النوع الملائم وغير الملائم لها من أحداث الحياة وسلوك الإنسان. فهذا التفقه أو هذا الشرح هو القانون الذي ينتزع من الدين، أو صار الدين إليه.
والدين إذا أصبح فلسفة أرضى رجال العقل والفلسفة، وإذا أصبح قانونا جذب إليه رجال الفقه والقانون. ومع أنه يمكن أن يصبح فلسفة، فإنه لا يتحول إلى فلسفة كتلك التي أنشأها الإنسان بصنعته العقلية باديء ذي بدء. ومع أنه أيضا يمكن أن يصبح قانونا فإنه لا يتحول إلى قانون كهذا الذي شرعه الإنسان ووضعه بتقديره الخاص منذ البداية. بل تبقى لفلسفة الدين، وقانون الدين، خصائص الدين أو طابعه