/ صفحه 276/
الإباحية البهيمية، وقد قتل في سبيل مقاومتها جماعة لا يستهان بشأنهم في عهد المأمون.
حقق الأفشين أهليته لما ألقى عليه، فثبت أمام بابك والمارقين معه وضيق عليهم الخناق، وكان ساعده الأيمن أبا دلف العجلي، فوقع بابك في يده بعد مقاومة عنيفة، وحمله إلى المعتصم فقطعه وصلبه في يوم مشهود فرت فيه عيون المسلمين، وتوجت الدولة هام الأفشين ومجدت بطولة أبى دلف. ودون الشعراء آيات المديح والتكريم، فمن مديح الأفشين قول أبى تمام من قصيدة:
لم يقر هذا السيف هذا الصبر في هيجاء إلا عزّ هذا الدين
قد كان عذرة مغرب فافتضها بالسيف فحل المشرق الأفشين
فسيكشر الإسلام ما أوليته و الله عنه بالوفاء ضمين
ومديح أبى دلف الذي كان يعمل تحت إمرته في هذه الثورة المستشرية، قوله أيضا في قصيدة:
إن الخليفة والأفشين قد علما من اشتفى لهما من بابك وشفى
ومر بابك مر العيش منصلتاً مُحوِلياً دمه المعسول لو رشفا
وظل بالظفر الأفشين مرتديا و باب بابكها بالذل ملتحفا(1)
مصير الأفشين الأول:
بعد هذا البلاء العظيم مظهره، المتجاوب صداه في جوانب الدولة، كشفت الأيام عن حقد كامن بين جوانح الأفشين للعرب، غطته المداهنة وتربص الدوائر بهم، إذ كان يقول كما نقل الجاحظ: ((إذا ظفرت بالعرب شدخت رءوس عظمائهم بالدبوس)) قال الحاحظ: ((والدبوس شبيه بهذه العصا التي في رأسها عجرة وتسربت الأنباء للمعتعم عن محاولاته لقلب الدولة في مكاتباته السرية لمازيّار ومخيلته أن ذلك مكنته فتغير عليه المعتصم وأصر في نفسه حتى امكنته اليدان))(2)

*(هوامش)*
(1) الخليفة: المعتصم، أي شفى أبودف صذرهمامن بابك، منصلتا: ماضيا، أي مر عليه عيشه، إلا أن دمه حلو للمسلمين لو ذاقوه، ملتحفا: مغطى.
(2) البيان والتبيين "كتاب العصا" ج 3 ص 33، المطبعة التجارية.