/ صفحه 256/
وناديت شبلا فاستجاب وربما ضمنا قرى عشر لمن لا نصافح
فقام أبو ضيف كريم كأنه و قد جدّ من فرط الفكاهة مازح(1)
إلى جذم مال قد نهكنا سوامه و أعراضنا فيه بواق صحائح(2)
جعلناه دون الذم حتى كأنه إذا عد مال المكثرين المنائح(3)
لنا حمد أرباب المئين ولا يرى إلى بيتنا مال مع الليل رائح(4)
وربما نزل الضيف بصاحبه، والجدب شديد، فتباكيا وتشاكيا، ورثى كلاهما للآخر، ولكن ذلك لا يعفى الضيف من واجب القرى، مخافة الذم واللوم، ولا يمنع الضيف أن ينال حق الضيافة كاملا من شدة ما أجهده الجوع، كقصة الراعي النميري إذ يقول:
إلى ضوء نار يشتوى القد أهلها وقد يكرم الأضياف والقد يشتوى
فلما أتونا فاشتكينا إليهم بكوا وكلا الحيين مما به بكى
بكى معوز من أن يلام، وطارق يشد من الجوع الإزار على الحشا
فألطفت عيني هل أرى من سمينة و وطنت نفسي للغرامة والقرى
إلى أن يقول:
كأني وقد أشبعتهم من سنامها جلوت غطاء عن فؤادي فانجلى
فبتنا وباتت قدرنا ذات هزة لنا قبل ما فيها شواء ومصطلى
وربما ضل سعي الضيف، فأتى بخيلا أو بخيلة، لا ترى بأسا أن تمنعه القرى وترده خائبا من حيث أتى، كالذي وقع للقطامي، إذ نزل بامرأة من محارب فلم تقره، فهجاها في قصة ممتعة، فيها الكثير من خصائص القصة، كما يراها المحدثون، إذ فيها
*(هوامش)*
(1) أبوضيف: يعني نفسه.
(2) الجذم: الأصل، السوام: المراد به الإبل الراعية.
(3) المنائح: جمع منيحة، الناقة ذت اللبن، تدفع إلى الجبار لينتفع بلبنها، حتى إذا انقطع لبنها ردها.
(4) الحماسة لأبي تمام: 2: 240.