/ صفحه 245/
وإن الإيمان من غير عمل تكون به حياة الشخص أحلاما وأماني لا حقائق وجودية تتحقق بها كل معاني الوجود الإنساني وسموه الروحي، وينتهي الأمر بمن يتخلي عملهم عن علمهم إلى أن تكون الحقائق عندهم صورا تتخيل، وينتهي الأمر إلى تعصب يبدو في شقاشق اللسان، وليس فيه قوة إيمان، كما ظهر من اليهود والنصارى وطوائفهم، وبعض طوائف المسلمين في العصور الغابرة، ولا تزال تطلع على طائفة منهم في العصور الحاضرة، فأن أولئك قد تخلت أعمالهم عن مقتضى علمهم، فصاروا يظهرون بقوة الإيمان، ولا يظهر لذلك في نظرهم إلا تعصب ومراء وجدل، والمراء والجدل يهدمان الحقائق هدما، ويضعف بهما الإيمان الحقيقي، والإذعان القلبي، إذ يصير المتجادلون كالشكاك الذين يظنون أن كل شيء يمكن إقامة الدليل عليه، وإثباته بالدليل أو بالغلب اللساني، ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل)) وقال الإمام مالك رضى الله عنه: ((كلما جاء رجل أجدل من رجل تقص مما جاء به محمد)).
10 وإن الذين لم يتغذ إيمانهم من العمل يدرسون المصادر الإسلامية دراسة من يتخذ منها مادة لنصر فكرته، وتأييد نزعته، والتشديد في عصبيته، ولذا ورد عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: ((كنا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوتينا الإيمان قبل القرآن، وسيأتي بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان، يقيمون حروفه، ويضعون حدوده وحقوقه، يقولون قرأنا فمن أقرأ منا، وعلمنا فمن أعلم منا، فذلك حظهم، أولئك شرار هذه الأمة)).
وإن هذا النوع من العلم بالقرآن الذي يقترن به إيمان لا يسقيه عمل ينتهي بالعالم فيه إلى أن تبلى في نفسه المعاني القرآنية فتفقد روعتها، وتذهب من نفسه جلالتها، ويرددها من غير أن يعلم أنه ينطق بما نزل من السماء، ومن غير أن يعلم أنه وهو يسمع القرآن، أو يقرؤه من غير أن يعلم أنه يستمع إلى الله يناديه ويدعوه إلى الحق، وأن الله يخاطبه إذ يقرأ أو يسمع، وذلك هو عصرنا الحاضر، فقد أصبح علمنا بالقرآن لا يتجاوز الإنصات إن كان من غير تذوق، أو الجدل حول