/ صفحه 244/
8 وإن هذه الحقائق تبين كيف يكون الإيمان ثمرة لتهذيب الروح وجعلها تذعن للحق بتطهير النفس من الأدران، ونطق اللسان بالحق، وتعود النطق به، حتى يمتزج القلب الطاهر باللسان النقي، فيكون الإذعان للحق، ووراء الإذعان للحق الإيمان به، ووراء الإيمان بالحق العمل به.
وإن الإيمان الذي لا يصحبه العمل إيمان ناقص، أو هو في الحقيقة إيمان لا يتوافر فيه عنصر الإذعان كاملا، وإن توالي أهمال العمل يضعف الإيمان شيئا فشيئا حتى يصير كالقمر في المحاق بعد أن كان بدرا، فمثل العمل والإيمان كمثل الماء والشجرة، فلا تنمو شجرة الإيمان إلا بالعمل الذي هو لها كالماء، وإذا انقطع عنها الماء جفت حتى صارت حطاما، وأنه كلما ازداد العلم وقل العمل ازداد ضعف الإيمان، لإن العلم في دنيانا صور فكرية، فإذا لم تخط لها في القلب خطوطا توجهه وتؤثر فيه، فإنها أعراض هائلة قد تبقى في الفكر، ولكن لا أثر لها في القلب، وكلما ازدادت الصور الفكرية وازداد معها إجمال القلب وعدم الإذعان لأحكامها ازداد الإيمان ضعفا، وكلما ازداد الإيمان ضعفا بعد عن الخلق الكريم، إذا أهمل العمل مع توافر أسبابه، وتضافر موجباته تعود إهماله، ويلي ذلك بلا ريب جحوده، أو يكون كالمنافق لا إيمان له بشيء.
9 وإذا كان الإيمان الحق يوجب العمل لا محالة، حتى اعتبر بعض الفلاسفة المعرفة وحدها هي الفضيلة، لأن معرفة الخير توجب الإيمان به، وإذا تحقق الإيمان الكامل تحقق أثرا له العمل في نظره، فكانت المعرفة التي تستلزم الإيمان مصدر الخير ومورده، وابتداءه وانتهاءه، ومقدمته ونتيجته.
وإن العمل بموجب أحكام الفضيلة آخر نقطة من نقط الوسط في خط الفضيلة المستقيم، وإنها نتيجة بلا ريب للإذعان والإيمان، وكما أن الإيمان يحتاج إلى فضيلة الأذعان، فأنه يحتاج أيضا إلى العمل ليبرز به إلى الوجود، وليؤتي تمرته، وتتحقق غايته.