/ صفحه 246/
معانيه من غير تفقه، وقد تنبأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمته بهذه الحال، ففى الأثر أنه قال: ((يأتي على الناس زمان يخلق فيه القرآن كما تخلق الثياب على الأبدان، أمرهم كله يكون طمعا لا خوف معه، إن أحسن أحدهم قال يتقبل الله مني، وإن أساء قال يغفر الله لي)).
وإن هذا الحديث النبوي دل على أمرين هما اللذان ذهبا بقوة المسلمين وأضفعا أخلاقهم، وهذان الأمران أولهما ذهاب روعة القرآن من قلوبهم، فلم يكونوا ممن يتلقون القرآن كما قال سبحانه: ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)) وثانيهما: أن الخير قد تساوى في نظرهم مع الشر، فمن عمل خيرا قبل، ومن عمل شرا غفر له، وبذلك استوت عندهم الحسنة والسيئة في جانب الطمع وعدم الخوف، فاضطرب ميزان الفضيلة، وغلب الهوى، وذهبت القوة الدافعة إلى العمل، حيث يرجو المحسن من الله حسن الثواب، ويخاف المسيء العقاب، وبذلك سيطرت عليه أسباب الهلاك، ونخرت في جسم المسلمين عوامل الفناء، ولقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مهلكات تتحقق كلها فينا اليوم، وورثناها عن ناس سبقونا، فقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وأعجاب المرء بنفسه)).
11 هذا هو مقام الإيمان من الخلق الإسلامي، أساسه الإذعان وإشراق القلب، وصدق اللسان، والنظر وغذاؤه العمل، وسقياه بترك المراء والجدل، وتوقع الشر من فعل الشر، وتوقع الخير من فعل الخير ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)).
وبهذا البيان ينتهي الوسط للخط المستقيم الذي يصور الخلق الإسلامي وإلى المقال الآتي أن شاء الله.