/ صفحه 243/
6 التقي، ولذلك قال ابن المقفع: التقطوا الحكمة أنى وجدتموها، فإن اللؤلؤة الفائقة لاتهون لهوان غائصها الذي استخرجها، وهناك ناس قلوبهم غلف، وألسنتهم ملتوية، وأعمالهم كلها رجس فهم قوم بور لاينتفعون ولا ينفعون، ولا يهتدون ولا يهدون.
7 وإنه بمقدار استعداد القلوب يكون الإيمان بالحق، وإن ذلك الاستعداد ليس خلقيا تكوينيا، بل هو كسبي، فهناك ناس طمس الله تعالى على بصائرهم بما يلعمون، وبما يقولون، وبسبب استيلاء الهوى على قلوبهم، ولذا قال سبحانه وتعالى: ((بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) فما يقولون من أقوال يمارون بها يضع غشاوة على قلوبهم، وكلما استرسلوا في غيهم يعمهون تكاثف الغشاء طبقة بعد طبقة، وبذلك يطبع الله على قلوب المنافقين والكافرين بالحقائق، ولقد يستمرئون تكذيب الحقائق وإنكارها وجحودها حتى يكون النور عندهم كالظلام، والبصر كالعمى، وقد قص الله سبحانه وتعالى قصص الذين كان فسادهم بسبب إغلاق قلوبهم عن نور الحق، وقال تعالى بعد قصصهم: ((تلك القرى نقص عليك من أنبائها، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)).
ولقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الناس إلى أربعة أقسام في تشبيه بليغ موضح لكل قسم، فقال فيما رواه الإمام أحمد والطبري((القلوب أربعة: قلب أجرد(1) مثل السراج يزهر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أسود منكوس، فذلك قلب الكافر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، فذلك قلب المنافق، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد، فأى المادتين غلبت عليه حكم له بها، وفي رواية ذهبت به)).
وهذا التقسيم أبلغ ما قيل في وصف القلوب، وأحكم ما عرف في بيان أدوائها.

*(هوامش)*
(1) أي أملس مصقول.