/ صفحه 237/
العصمة الطبيعية التي ثبتت للإنسان بمقتضى خلقه نوعا عاقلا مفكرا عاملا في الحياة، خليفة في عمارة الكون، ولا ريب أن الخلق على هذا النحو وتلك الغاية يقضى أن يكون للإنسان مناعة وعصمة يكمل بهما حقه في التمتع بالحياة، ويقوم بنصيبه في عمارة الكون، وأن ثبوت ذلك الحق له يمنع غيره الإنسان مثله الاعتداء عليه بما يقطع عليه حياته أو يفسدها، وقد يشير إلى هذا الوجه ما يحكيه الله على لسان المقتول من ولدى آدم: ((أذ يقول لأخيه - وقد رأي منه التصميم على قتله: ((لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذكل جزاء الظالمين)) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين)).
أدرك ولد آدم أن القتل إثم، وأن خوفه من الله يمنعه أن يمد يده إلى أخيه، وقد كان ذلك قبل أن يشرع الله لبني إسرائيل ((أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض قكأنما قتل الناس جميعا)) وعلى هذا الوجه يكون المعنى: أن النفس التي ينهى الله عن قتلها معصومة بمقتضي الخلق والإيجاد، وأن حرمتها قارة في النفوس ثابتة في العقول، ليست مكتسبة من شرائع، ولا يتوقف العلم بها على رسالات، بل هي شأن يدركه الإنسان بفطرته متى عرف قيمته في الحياة، وأدرك سر الله في إيجاده وخلقه، وما النهي عن قتلها ونزول الشرائع به، إلا تأييدا لما استقر في الفطر واستجابة لنداء الحكمة الإلهية، وصونا لسر هذا الوجود المنبعث من خلق الإنسان وإيجاده، وتقريرا للقانون الطبيعي الذي يكفي مجرد العقل في معرفته والإيمان به.
وإذن، فالشرائع في جريمة القتل وأمثالها مما تدرك قبحه الفطر، مؤيدة ومؤكدة، لا مثبتة ولا منشئة.
وهذا التقرير - الوجه الثاني - في معني التحريم، يرشد إرشادا واضحا إلى أساس ما يعتمده العلماء من أن الأصل في النفوس، هو الحرمة، وأنها لا تباح إلا بحق طاريء على ذاتها، تقترفه بطغيانها وهواها، وأنها في ذلك على عكس الأموال،