/ صفحه 238/
فإن الأصل في الأموال هو الإباحة، ويدل عليه قوله تعالى: ((هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)).
ومن هنا قرر العلماء أن سبق الاستيلاء ووضع اليد سبب من أسباب الملكية، أما حرمة الأموال فهي طارئة بتقرير الملكية الخاصة المبنية على أسباب وراء الخلق والإيجاد، وكان من فروع اختلاف النفوس والأموال في هذا الأصل، أن من أكره على قتل غيره بقتل نفسه، أو أصيب بمخمصة ولم يجد ما ينقذ حياته إلا أن يأكل طفلا، وجب عليه أن يصبر حتى يقتل هو أو يموت، ويحرم عليه إحياء لنفسه قتل غيره أو أكله، وأنه إذا أكره على إتلاف مال الغير، أو دفعته مخمصة إلى أكل طعامه بغير إذنه، فإنه يحل له الإقدام على ما أكره عليه أو اضطر إليه من إتلاف المال أو أكله.
ويرى بعض العلماء أن معنى تحريم الله للنفس عصمته إياها بالإسلام أو العهد، ومعنى هذا: أن الأصل في النفس أنها غير محرمة، وإنما تحرم بالإسلام أو العهد، وإذن، تكون النفس الباقية على كفرها التي لم تعاهد مباحة يحل قلتها، وهذه مسألة تستدعى النظر: هل الكفر بمجرده يبيح الدم؟ أو أن المبيح للدم هو المحاربة والمقاتلة؟ والذين حققوا النظر في هذه القضية خرجوا من بحثها بأن الكفر وحده ليس مبيحا للدم، وإنما يبيحه الاعتداء. وعليه فلا بد من التفسير بأحد الوجهين السابقين: التحريم السماوي السابق، أو التحريم الطبيعي بأصل الخلقة، وعلى كل فليس المراد بالتي حرم ما نهى الله عن قتلها وإلا كان المعنى، أن الله ينهى عن قتل ما نهى عن قتله، وهذا إن صح في ذاته، وصح في نهي لا حق بالنسبة لنهي سابق، فلا يصح في أول آية نزلت في هذا المعنى. وإذن، فالأوفق والأجزل ما فسرنا به التحريم من أحد الوجهين السابقين.
وقد أرشد قوله تعالى: ((ألا بالحق)) إلى أن الحرمة التي قررها الله للنفس إنما هي بالنظر إلى ذاتها وأصل خلقتها، غير منظور فيها إلى ما قد يصدر عنها من أسباب تبرر في الحكمة قتلها، فإن صدر عنها ما يبرر قتلها، انسلخت عنها حرمتها، وكان