/ صفحه 236/
أو لا ينسخ، وإنما تعرض لبيان ما أعد من الجزاء - سواء أصح ذلك أم لم يصح، فحسبنا في عظم الجريمة عندالله، أن الوعيد عليها جمع الخلود في جهنم، وغضب الله ولعنته، وإعداد العذاب العظيم، وهو وعيد لم ير مثله في جريمة أخرى.
والنفس قد ذكرت مطلقة فتعم نفس القاتل ونفس غيره، وعليه فمن قتل نفسه، كان عند الله كمن قتل غيره، وقد صور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جزاء من يقتل نفسه فيما يرويه عنه أبو هريرة: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) وأحاديث الانتحار وهو قتل الإنسان نفسه كثيرة مروية في صحاح الأحاديث، ومنها يتبين أن النفس في الآية تعم نفس القاتل ونفس غيره، فكلتا هما نفس حرمها الله وحرم قتلها.
وقد تكلم الفقهاء على معنى القتل، وكان لهم في ذلك آراء ومذاهب، وقد لخصناها ووازنا بينها وبينا الرأي فيها في كتابنا ((القصاص)).
أما قوله تعالى: ((التي حرم الله)) فلنا في تفسيره وجهان:
أحدهما: أن المراد به التحريم التشريعي الذي نزلت به الشرائع السابقة، وقد تناولت التوراة جمله من صور القتل، وبينت ما يستوجب القصاص وما لا يتوجبه، وجاء بها أن القتل أكبر الذنوب وأعظم الجرائم عندالله، وجاء في القرآن عما كتبه الله على بني إسرائيل: ((أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) وقص ما جاء عنه في التوراة: ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس)) والقصد من التنبيه بقوله: ((التي حرم الله)) على هذا التحريم الشرعي السابق، هو الإشارة إلى أن حرمة النفوس البشرية قديمة في الشرائع السماوية وأنها شرع عام لم يخص أمة دون أمة، ولا جيلا دون جيل، وإنما هو شرع الله منذ عرفت الأرض تشريع السماء.
أما ثاني الوجهين الذي نفسر بأحدهما تحريم الله للنفس، فهو التحريم بمعنى