/ صفحه 235/
الاهتمام، فكررت النهي عنها، وشددت التنفير منها، والنكير عليها، وبينت بوجه خاص حكمها الأخروي، وأفاضت فيه، وحكمها الدنيوي وفصلت أهم نواحيه، وجعلت لها بعد عقوبتها الأصلية وهي:((القصاص)) عقوبة أخرى تبعية وهي: ((حرمان القاتل من ميراث المقتول إذا كان بينهما سبب من أسباب الميراث)) ذلك أنها سلب لحياة المجني عليه، وتيتيم لأطفاله، وترميل لنسائه، وحرمان منه لأهله وذويه، وهي بعد ذلك تحد لشعور الجماعة الإنسانية الذي فطرت عليه في اعتقاد أن الحياة حق لكل حي يتمتع به حسب ما قدر له، ولا يجوز لأحد غير خالقه الذي قدر له ذلك الحق ومنحه إياه أن ينتزعه منه، وهي فوق ذلك زعزعة لما ترجو هذه الجماعة من هدوء الحياة واستقرارها والانتفاع بجميع عناصرها وأبنائها، هي هدم لعمارة شادها الله، تتكون منها ومن أمثالها العمارة الكبرى لهذه الحياة.
وقد كان من أصرح وأقوى ما جاء في حكمها الأخروي قوله تعالى في سورة النساء: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)) وقد كان مجيء هذا الوعيد على جريمة القتل في هذه الآية هكذا، مطلقا غير مقيد بالتوبة كما هو الشأن في سائر الجرائم، حتى جريمة الكفر، سبيلا لبعض العلماء في تقرير أن توبة القاتل غير مقبولة متى كان المقتول مؤمنا، وقد روى هذا الرأي عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، وغيرهما من الصحابة، وجاء في البخاري عن سعيد بن جبير أنه قال: اختلف أهل الكوفة في قاتل العمد، هل له توبة؟ فرحلت فيها إلى ابن عباس، وزيد بن ثابت، وغيرهما من الصحابة، وجاء في البخاري عن سعيد بن جبير أنه قال: اختلف أهل الكوفة في قاتل العمد، هل له توبة؟ فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم …)) وهي آخر ما نزل في عقوبة القتل وما نسخها شيء، وقرأت عليه آية الفرقان التي فيها: ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا …))فقال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية ((ومن يقتل مؤمنا …)) وسواء أصح هذا الرأي وصح أن الآية المدنية ((ومن يقتل مؤمنا..)) نسخت الآية المكية ((إلا من تاب وآمن وعمل صالحا …)) أم لم يصح - كما يقتضيه النظر الصحيح في المقارنة بين الآيتين وفي أصل نظريةالنسخ من وقوعها في القرآن عامة، وفي آيات الأخبار خاصة التي منها آيات الجزاء الأخروي، والتي بطبيعتها لا تعرض لتكليف ينسخ