/ صفحه 21/
أقول هذا بمناسبة مرور عشر سنوات كاملة على فكرة التقريب، أقوله وأنا أذكر كيف ولدت الفكرة، وكيف احتضنها رجال مخلصون من العلماء والمفكرين لأنها جاءت على أساس تقريب الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان بها، وتعريف كل طائفة بالأخرى، والاتفاق على النقط الوفاقية وأن يعذر المسلمون بعضهم بعضا في كل ماله دليل من مسائل فيها مجال للنظر والبحث. وإزالة الافتراءات التي أدخلت على كل طائفة، ودعوة كل طائفة إلى النظر في كتب غيرها والأخذ بما فيها لا بما يقوله عنها المخالفون. جاءت لترفع العداوة والبغضاء من بين إخوةٍِ كتابهم واحد، ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، يحجون إلى بيت الله الحرام. ولايختلفون في صلواتهم، لا في عددها ولا في ركعاتها وسجداتها، ويصومون رمضان، ويؤدون الزكاة، ويؤمنون بكل ما يؤمن به المسلم من عقائد، جاءت تدعو إلى ذلك كله بعد أن، مزقت الخلافات الأخوة الإسلامية، وجرحت الأقلام المفرقة عواطف المسلمين وقلوبهم.
ولم يكن بمستغرب أن تجد هذه الدعوةرجالا من ذوي الفكر يمثلون المذاهب الأربعة المعروفة والإمامية والزيدية، يلتفون حولها ويعتنقونها ويعلنون على العالم الإسلامي نبأ تكوين جماعة التقريب، ولم يكن بمستغرب كذلك أن يجدوا في كل بلد إسلامي من يمد يده إليهم ويبايعهم، وأن يجدوا أقلاماً تخدم فكرتهم، ومؤتمرات تتبناها ومعاهد وجامعات تأخذ في دراستها.
لكن هذا كله لم يكن يكفي، ورجال التقريب أنفسهم لم يتوقعوا أن مثل هذه الدعوة الخطيرة يتقبلها الجميع بيسر، فهم أول من أدرك أن سوء التفاهم ليس وليد أعوام عشرة أو عشرين، بل وليد قرون وقرون، وقد غذته السياسة المختلفة، وشجعه أولو الأغراض من الحكام الذين حكموا باسم الطائفية، فوق أن دعايات السوء مسخت كثيرأ من الحقائق وأن سياسة ((فرق تسد)) لا تزال تسيطر وتعمل عملها، وأن الإنسان عبد لما يألف، وليس من الهين أن يتقبل ما يخالف مألوفه، وأن الشك في كل شيء أصبح أمراً متوقعاً بسبب ما رآه المسلمون وما نزل بساحتهم من نكبات.