/ صفحه 194/
المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام - وجاء في الإنجيل الموجود بين أهلها - من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر - فخالفتها دولة الروم في ذلك حين بدأت المسلمين بالعدواان، بل من يوم أن دانت بها، لأنها لم تمش على سياسة متسامحة حين دانت بها، وهي السياسة التي تحض المسيحية عليها، وتجعل منها شريعة زهد لا يهمها شيء من الأطماع التي تحمل على العدوان بين الناس، بل مضت في سياستها العدوانية علي عهد وثنيتها، وكأنها لم تعتنق المسيحية التي تحض على السلام، وتجعله أهم شعار لها في الدنيا.
بل إن هذه الدولة لم تكن حرب على غير المسيحيين فقط، وإنما كانت حربا على كثير من المسيحيين أيضا، لأنها اتخذت في المسيحية مذهبا خاصا بها، وعاملت من لا يوافقها من المسيحيين بالعروان كما تعامل غير المسيحيين، وقد جاء الإسلام وهي تضطهد مسيحيي الشرق في مصر والشام وغيرهما، فأنقذهم من اضطهادها لهم، وعاملهم بما يأمر الله تعالى به في كل ما أنزل من الأديان، وهو أخذ الناس بالتسامح في العقائد، وتحريم العدوان عليهم أجل عقائدهم.
بل إن هذه الدولة لم تغير شيئا من تعصبها الجنسي على عهد وثنيتها حين دانت بالمسيحية، وهي دين إنساني متسامح يمقت التعصبات الجنسية، كما يمقتها كل دين سماوي صحيح، فمضت تتعصب لجنسها الروماني، وتقسم رعيتها كما كانت تقسمهم على عهد وثنيتها إلى مواطنين ورعايا، وتجعل المواطنين هم الرومانيين، وتجعل الرعايا غيرهم من كل الأجناس التي ابتليت بحكمها، ولو كانوا مسيحيين مثل أهلها.
بل إن هذه الدولة لم تغير شيئا من تشريعها الوضعي بعد أخذها بالمسيحية، بل بقى لها قانونها الروماني بالاسم الذي عرف به على عهد وثنيتها، ولا يزال معروفا بهذا الاسم الوثني إلى يومنا هذا، وهو قانون وضعي لا سماوي، فلم يهمها أن تمضي في الأخذ به بعد أخذها بالمسيحية، ولم يهمها أنه قانون وضعي لا يصح أن ينظر إليه كما كانت تنظر إليه في عهدها الوثني.
وبهذا كله يثبت أن إيمان الدولة الرومانية بالمسيحية لم يكن إيمانا يجعلها دولة