/ صفحه 193/
الألوهية، كالذين قالوا عزير ابن الله، والذين قالوا المسيح ابن الله أو هو الله، وكذلك نقاتلهم لأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر، لأنه ليس في التوراة الموجودة بأيدي اليهود والنصارى بيان صريح للبعث والجزاء بعد الموت وإنما فيها وفي مزامير داود إشارات غير صريحة، ولأن النصارى يرون أن حياة الآخرة روحية محضة، فينكرون المعاد الجسماني، وكذلك نقاتلهم لأنهم لايحرمون ما حرم الله ورسوله مما حرم عليهم في شرعنا، أو مما حرم عليهم في شرعهم، لاستحلال اليهود أكل أموال الناس بالباطل واستحلال النصارى ما حرم عليهم في التوراة مما لم ينسخه الإنجيل، وكذلك نقاتلهم لأنهم لايدينون دين الحق وهو الإسلام، أو دينهم الذي جاء به رسولهم قبل تحريفهم له، مع أن الحق أنه لا يدخل في قتالهم إذا قاتلونا شيء من ذلك، لأنه لا يجب علينا فيما يتعلق به إلا بيان فساده لهم، أما قتالنا لهم فإنه لا يجب علينا إلا لمحض قتالهم لنا.
والذي أريده من ذلك أن يكون الأمر في قتال أهل الكتاب كالأمر في قتال المشركين حين قال الله تعالى مثلا في الآية - 13 - من سورة التوبة: ((ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)). فجاء بالآية صريحة في أن قتالهم ليس لأجل شركهم، وإنما هو لأجل عدوانهم على المسلمين، لأنهم نكثوا إيمانهم معهم، لأنهم هموا بإخراج الرسول، ولأنهم بدءوهم بالقتال أول مرة، فقاتلوهم من أجلها، ثم توالى القتال بعد هذا بين الفريقين، وهم الظالمون فيه، لأنهم هم البادئون به، فكذلك أريد أن يكون ما جاء في قتال أهل الكتاب، ليس فيه ما يوهم أن قتالهم لأجل فساد عقائدهم، كتلك الصفات السلبية السابقة على فهم المفسرين لها، ولا استثنى منهم السيد محمد رشيد رضا.
والحق عندي أن الآية الكريمة تعني بتلك الصفات السلبية السابقة شيئا آخر غير فساد العقيدة، لأن المقام في الآية ليس لبيان فسادها، وإنما هو في ذلك القتال الآثم الذي اعتدت به دولة الروم على الإسلام، ومخالفتها بهذا للأديان السماوية التي جاءت لنشر السلام والأمن بين الناس، ولا سيما المسيحية التي جعلت شعارها -