/ صفحه 192/
الشيخ محمد عبده، وهو المذهب المقبول الآن بين أنصارهما من المؤيدين لحركة التجديد في الإسلام.
ولهذا اضطر بعد أن وافقهم في تفسير تلك الصفات السابقة أن يلجأ إلى تقدير قيود أخرى للأمر بقتالهم، حتى يكون قتالهم مثل قتال غيرهم من المشركين، لا لأجل إدخالهم في الإسلام أو فرض الجزية عليهم، بل لأجل الدفاع عن عقيدتنا إذا قاتلونا عليها، فإذا لم يقاتلونا لم نقاتلهم، وهذا عند تفسير قوله تعالى في الآية: ((حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون)). فقد قال في تفسيره: هذه غاية للأمر بقتال أهل الكتاب ينتهي بها إذا كان الغلب لنا، أي قاتلوا من ذكر عند وجود ما يقتضى وجوب القتال كالاعتداء عليكم وعلى بلادكم، أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم، أو تهديد أمنكم وسلامتكم - كما فعل الروم، فكان سببا لغزوة تبوك - حتى تأمنوا عدوانهم بإعطائكم الجزية في الحالين اللذين قيدت بهما، فالقيد الأول لهم، - وهو أن يكون صادرة عن يد أي قدرة وسعة، فلا يظلمون ويرهقون - والقيد الثاني لكم، وهو الصغار المراد به خضد شوكتهم والخضوع لسيادتكم وحكمكم الخ الخ.
ولا شك أن هذه القيود التي ذكرها السيد محمد رشيد رضا لتقييد الأمر بقتال أهل الكتاب ليست مذكورة في الآية نصا ولا ظاهرا، وإنما غاية ما يعتمد عليه في تقديرها أن يقاس قتال أهل الكتاب على قتال غيرهم، أو يعتمد على السبب الذي وردت فيه وهو اعتداء دولة الروم على المسلمين بالقتال، والاعتماد على الأول معرض للتوهين بأن القياس ليس محل اتفاق، والاعتماد على الثاني معرض لتوهينه بأنه إنما يصح عند من يذهب إلى تقييد لفظ الآية بسبب النزول، مع أن المختار أن المعول عليه في ذلك هو عموم اللفظ لا خصوص السبب، على أن التقييد بهذا لا يمنع ما يقيده ظاهر الآية من أنا نقاتلهم أيضا على فساد اعتقادهم، أي لأنهم لا يؤمنون بالله تعالى، لأنهم فقدوا التوحيد وهو الركن الأعظم للإيمان به، فاتخذوا من دون الله أحبارهم ورهبانهم أربابا يشرعون لهم العبادات والحلال والحرام، وذلك حق الرب وحده، فقد أشركوهم معه في الربوبية، ومنهم من أشرك في