/ صفحه 19/
وإن أشد أنواع الشرك بالله، لهو الشرك الذي يخرج الإنسانية من مكانتها وينزل بها كأنما خرت من السماء فتخطفتها الطير، أو هوت بها الريح في مكان سحيق، هو شرك الهوى والغي، شرك الأثرة والانحلالية، شرك الوهم والخيال، شرك الضغط ينزل بالضعيف من القوي، وبالفقير من الغني، شرك الاستكانة والذلة والمهانة ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة)).
أليس كل ما ذكرت شركا؟ أليس كل شرك مما ذكرت آخذاً طريقه إلى واحد منا أو إلى طائفة من طوائفنا؟ دعني من كلمة ((الإيمان بالله)) فنحن قد نكون حقا مصدقين بوجود الله. ولكن الإيمان بالله شيء وراء التصديق بوجوده، شيء وراء اعتقاد أنه الخالق للكون، فقد كان القوم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض؟ قالوا: خلقهن العزيز العليم. إن معنى الإيمان بالله امتلاء النفس بسلطانه، وأنه الموجه، وأنه الحاكم، وأنه المدبر، وأنه صاحب الأمر الذي يطاع، وأنه راسم المنهج الذي يتبع ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)). أو ليس قد سجل الله على هؤلاء - مع اعتقادهم أنه الخالق - أنهم مشركون؟ وإذا كان الإيمان يجلو نوره ما غشاه من شرك الهوى وما كان به أصحابه في حكم الله مشركين، وكان الشرك أول المحرمات في وصايا الله، فيا ويلنا وقد فشا فينا الشرك بالله، واتخذنا له ألواناً وألوانا: الرياء في عبادة الله شرك بالله، الإعراض عن شرع الله شرك بالله، التفريق بين جماعة الموحدين بالله شرك بالله، موالاة أعداء الله الساعين في أرض الله بالفساد، شرك بالله، الضن على عباد الله بنعم الله، شرك بالله، الإعتماد على شفاعة الشفعاء في مغفرة الذنوب، دون عمل ولا رجوع إلى الله وحده شرك بالله، الخنوع للجبارين الطغاة وإهمال أوامر الله في مكافحتهم ورد طغيانهم، شرك بالله، نفاق الفرد للفرد، ونفاق الفرد للجماعة، ونفاق الجماعة للفرد، شرك بالله، ((وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)).
أما بعد فيأيها المسلمون، ((تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أن لا تشركوا به شيئا)). وإلى اللقاء في العدد القادم إن شاء الله.