/ صفحه 18/
وفي سورة الأنعام بعد أن ذكر لهم دلائل الربوبية قال ((ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل)).
وقد تنوعت الشركاء عند المشركين في جميع الأعصار، حسب تنوع الأسباب التي أفسدت عليهم تصورهم لمعنى الألوهية والعبادة، وأوقعتهم في الشرك والضلال، وطمست عليهم سبيل الفطرة التي فطر عليها الإنسان، تنوعت الشركاء، فكان منها الجسم العظيم، يفيض أسباب الحياة والحس والحركة على الإنسان والحيوان والنبات، وبذلك عبدت الشمس، والقمر، والنيل، والنار. ومن هذا السبيل، أو ما يشبهه عبدت المرأة والبقرة، لما رأوا في الأولى من النسل والولادة، وفي الثانية من الحرث والزراعة. وكان منها احياء قر في النفوس أن لهم قرباً معنوياً من الله، فاتجه إليهم بالعبادة والدعاء والاستغاثة. وبذلك: عبدت الملائكة والأنبياء، وقربت القرابين للأولياء، ونذر وذبح بأسمائهم، ((ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم، وضل عنكم ما كنتم تزعمون)).
ولقد ضعف إدراك قوم، وضاق عقلهم عن أن يعبدوا غير مرئي لا تدركه الأبصار فتخيلوا عظمة المعبود في شيء مادي يصنعونه بأيديهم في تمثال نحتوه، أو شكل رسموه، ثم عبدوا وتقربوا إلى ما نحتوا أو رسموا ((وإن تدعهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظورن إليك وهم لا يبصرون)).
الشرك بمختلف ألوانه شذوذ في الإنسانية:
والشرك بجميع أسبابه وصوره وألوانه، شذوذ في الإنسانية، ونوبة مرضية تلحق العقل البشري فتجعله يتخبط في عبادته وتدينه، وليس الشرك ظاهرة انحراف وآية شذوذ خاصة بزمن محمد، ولا بقوم محمد، ولا بعبادة الأحجار والأصنام، ولا بعبادة الشمس والقمر، وإنما هي ظاهرة تسوخ جذورها، وتمتد عروقها في جوف الإنسانية الفاسدة اللاهية ما دامت تخطو على جسر هذه الحياة، إلى أن تقع في دائرة الحياة الأخرى، حياة النعيم أو الجحيم.