/ صفحه 183/
اكتراث بعواقب ما يجر عليه الخروج على الخليفة، فذلك أبقى لمجده، والمنية لاحقة بالمرء ألبتة، فمن العار والشنار ألا يلقاها والعرض وافر والكرامة مصونة، وفي مصداق هذا قول المتلمس:
ألم تر أن المرء رهن منية صريع لعا في الطير أو سوف يرمس
فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة و موتن بها حرا وجلدك أملس
وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا و ما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا(1)
فسار بعد هروبه من السجن إلى البصرة منقضا على واليها انقضاض البازي على القطا.
هجوم ابن المهلب على البصرة:
في السنة الثانية بعد المائة من الهجرة دخل يزيد البصرة واعتقل عدي بن أرطاة الفزاري عاملها للخليفة يزيد بن عبدالملك، وحاول اغتصاب الخلافة ليأسه من صفح الخليفة عنه لما سلف، فجهز الخليفة جيشا تحت إمرة أخيه مسلمة، فالتقى الجيشان في عقر بابل بالقرب من كربلاء عند الكوفة، وحمي وطيس الحرب بين الجيشين: الشامي والعراقي ثمانية أيام، دارت الدائرة بعدها على العراقي وقتل يزيد بن المهلب واحتز رأسه وأرسل للخليفة في الشام، فبكت الجمهرة من الناس يزيد، إذ فقدوا به بطلا يحمي حماه، وسخيا يغمر نداه، ولم يكتموا أن قالوا: ضحي بنو أمية بالدين يوم كربلاء، وبالكرم يوم العقر.
ومع شدة الخوف من بطش الأمويين على من يبدو عليه أمارات الولاء ليزيد وحزنه على ما حل به، فأن كثيرا من الذين طوقتهم صنائعه لم يحل توقعهم الشر من الوفاء له، فذلك دين يتقاضاه الضمير الحي والنفس الشريفة، رثاة كثير من الشعراء ومن أجود مرثياته الصادرة عن نفس مكلومة: مرثية ثابت بن قطنة، ومنها:
كل القبائل بايعوك على الذي تدعو إليه طائعين وساروا
حتى إذا حمى الوغى وجعلتهم نصب الأسنة أسلموك وطاروا
*(هوامش)*
(1) الأبيات من قصيدة في الحماسة باب "الحماسة".