/ صفحه 168/
وإذا كان هناك سبب لعجز العلماء عن تقديم الحلول الإسلامية لمشاكل الوقت فأن ذلك السبب هو القضاء على مآثر بعض المسلمين الخيرين، هو القضاء على الأوقاف التي حبست على معاهد الدراسات الإسلامية في بقاع العالم الإسلامي، وربط هذه المعاهد في وجودها وأداء رسالتها بالمنح الحكومية، وإخضاعها- لذلك - في التوجيه للإشراف الحكومي المحلي.
وهذا التحول في تمويل الدراسات الإسلامية في العالم الإسلامي لا يتم إلا بمشورة المستعمرين الغربيين الصليبيين، وبإرادتهم طبقا لخطتهم في إضعاف المسلمين واستغلالهم: هنا في مصر، ثم في عهد الإدارة البريطانية، وفي شمال إفريقيا، ثم في عهد الإدارة الفرنسية، وفي ليبيا ثم في عهد موسيليني، وفي الهند في عهد السيادة الانجليزية، وفي إندنيسيا في عهد الإدارة الهولاندية.
إن الرحالة الألماني ((بول اشميد)) أزاح الستار عن هذه المسألة في كتابه المشهور: ((الإسلام قوة الغد)) الذي طبع في سنة 1936، وعد ربط تمويل مؤسسات الدراسات الإسلامية بالإدارة الحكومية المحلية في كل بلد إسلامي، عاملا بارعا للسياسة الغربية في القضاء على عوامل القوة الإسلامية.
إن الحكومات المحلية في العالم الإسلامي بما لها من سلطة الرقابة على منحها المالية لأية مؤسسة إنسانية أو دينية - ترى من حقها التدخل في تعيين المديرين لهذه المؤسسات على الأقل.
هذا من جانب الحكومات، ومن جانب هؤلاء المديرين المعينين بقرارات من السلطات الحكومية المحلية قد يرون رسالتهم في إرضاء هذه السلطات أكثر من رؤيتهم أياما في العمل لتحقيق رسالة المؤسسات التي يديرونها، وبما أنها مؤسسات دينية فتحقيق رسالتها معناه تحقيق وسائل الدعوة إلى رسالة الله.
أما كيف نقضى على هذه الانفصالية، فأمر ذلك في نظري يتوقف على معالجته كموضوع مستقل.