/ صفحه 16/
وللايات في هذا الإرشاد طريقان:
أحدهما: أن يذكر المحرم نفسه مقترنا بأداة النهي والتحريم، وذلك حيث يكون الضرر مترتبا على فعله، ومنه في آياتنا هذه، الشرك بالله، وقتل النفس والأولاد، وقربان الفواحش ومال اليتيم.
وثانيهما: أن يذكر المحرم بذكر مقابله وهو الذي يترتب الخير على فعله، ومنه في الآيات: الإحسان إلى الوالدين، وإيفاء الكيل والميزان، والعدل في الأقوال، والوفاء بالعهود.
وقد جاءت كل وصية من هذه الوصايا، بالوجه الذي يدل على مناط الخير فيها، فمناط الخير في الأول، ترك المحرمات، فلا شرك، ولا قتل … الخ فذكرت منهيا عنها، ومناط الخير في الاخر فعل ما يقابل المحرم، الإحسان والإيفاء، والوفاء، والعدل، فذكرت مأموراً بها، وهكذا يكون الأسلوب الحكيم الذي يتحسس موضع الحاجة ومنشأ الخير في التكاليف.
ولعلنا بهذا البيان نستريح ونريح من عناء التخريج الصناعي واللفظي الذي شغل الناس، وشغلنا عن روح القرآن وهدايته.
تحليل علمي للوصايا العشر:
الإشراك بالله:
((ألا تشركوا به شيئاً)) الإشراك بالله، هو أن يتخذ له سبحانه شريك فيما هو من خصائص الألوهية، وهي السلطة الغيبة المهيمنة وراء الأسباب والسنن، والتي بها يتعلق الرجاء في الحصول على المحبوب، أو دفع المكروه؛ فهذه السلطة، لله وحده، خالق المحبوب والمكروه. خالق الأسباب وحاكمها ومدبرها، وليست أو ليس منها شيء لأحد سواه، لا بطريق الذات، ولا بطريق المنح والعطاء، حتى يصح أن يُد°عى أو يتجه إليه بالخوف أو الرجاء. وعلى هذا فمن اعتقد أن شيئا من هذه السلطة لغير الله، فقد أشرك بالله. وكان في الوقت نفسه مؤمنا بالله. ومن هنا كان الشرك بالله مقتضيا للإيمان بالله، وفي ذلك يقول الله ((وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)).